الحقوق الثلاثة

الاستئذان

الاستئذان

س: ما رأيك بالزيارات المفاجئة؟ وهل يقتضي أدب المجالسة قبولها على كل حال؟
ليست ظروف الناس متشابهة، فالبعض يجلس في بيته فترة طويلة، وهو مستعد لاستقبال الزائرين في أي وقت، فقد اعتاد على هذا النمط من الحياة، بل ينزعج عندما لا يزوره الناس، وربما كان عمله يساعده على هذا النمط من التزاور، أو كانت حياته وخصوصياته مبنية على تقبُّل الزيارات المفاجئة من دون أن تنعكس سلباً على عمله ونشاطاته.

أمَّا البعض الآخر فلا يستطيع استقبال الزائرين من دون موعد مسبق، وسواء أكان السبب موقعه ومسؤولياته التي تجعل وقته مضغوطاً، أو كان عمله مضنياً وشاقاً بحيث تكون فترة استراحته وحضوره بين أهل بيته محدودة، أو كان تنظيم حياته يتطلب توزيعاً خاصاً لأوقاته ونشاطاته، فإنَّ من حقه أن يأخذ علماً مسبقاً بالزيارة لتكون مبنية على اتفاق ملائم للطرفين. ومع تقدم وسائل الاتصال فإنَّ بالإمكان التواصل هاتفياً أو بأي وسيلة أخرى للإشعار بالرغبة في الزيارة، وهذا أمر عادي يتلاءم مع ضغوطات الحياة المدنية الحديثة التي عقَّدت متطلبات الإنسان، وجعلته منهمكاً في ظروفه المعيشية الخاصة أو في شبكة واسعة من العلاقات المتشعِّبة التي يصعُب إنجاز القيام بمستلزماتها إلاَّ بتنظيم الوقت وتوزيعه بحسب الأولويات.

وقد وجهنا القرآن الكريم إلى الاستئذان، قال تعالى:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَداً فَلاَ تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ "(2). فالاستئذان تمهيد لدخول البيوت، وعند إعراب صاحب المنزل عن عدم الاستعداد للقاء بسبب ظروفه، وطلبه الرجوع لاختيار وقت آخر، فعليكم الرجوع بشكل طبيعي فهو أزكى لكم.

وهل تهدف الزيارة غير التواصل والاستئناس أو تلبية بعض الحاجات؟ إذاً يمكن تأجيلها واختيار الوقت المناسب، فإذا تحولَّت إلى عبء خرجت عن أهدافها وفقدت معناها. قد يكون التوقيت غير ملائم بسبب وقت الصلاة، أو الراحة، أو بعض الأعمال الخاصة، أو وجود زائر له موضوعاته ومطالبه، أو نشوء مشكلة عائلية تتطلب حلاً قبل استقبال الزائرين، وفي مطلق الأحوال ليس لأحد أن يتدخل في خصوصيات غيره، أو أن يطلب التبريرات والحجج، فالعلاقة الاجتماعية المبنية على التساهل والتسامح أمتن وأفضل من تلك المبنية على التعقيدات وحساب الاحتمالات السلبية.

بعضهم يطرق باب جاره أو قريبه فجأة، أو يأتيه في وقت غير ملائم، أو يأتيه في وقت يكون فيه غائباً عن البيت، فلا يسمع جواباً، ويصرُّ على طرق الباب مراراً وتكراراً، ويضع أذنه على الباب ليسترق السمع كي يطمئن من خلو البيت من ساكنيه، ثم يسمع حركة ما، قد تكون لهرة أو لبابٍ دفعه الهواء فأحدث صوتاً، فتبدأ حساباته وتأويلاته، ويحكم على أصحاب البيت بعدم احترامه، مع أنَّه لم يتأكد من وجودهم وإنما احتمل ذلك، بل لو كان أحدهم في المنزل ولا يستطيع استقباله، إمَّا لأنَّ المرأة وحدها، أو كان الرجل مريضاً، أو عنده مسألة خاصة يخشى إطلاع أحد عليها، أو أي سبب من الأسباب، فلا داعي للتصرف بهذه الطريقة، لأنَّ الاستئذان أدب إسلامي مطلوب، بل الرجوع بعد الاعتذار جزء من هذه اللياقات الاجتماعية النبيلة، والأهم من ذلك أن نتربى على احترام خصوصيات وظروف الآخرين لتكون العلاقات الاجتماعية مبنية على أسس سليمة.