س: قال الإمام(ع):" وأما حق الجليس فأن تلين له كنفك، وتطيب له جانبك، وتنصفه في مجاراة اللفظ، ولا تغرق في نزع اللحظ إذا لحظت"، سماحة الشيخ، لنبدأ بتفصيل هذه الأمور، ماذا يريد الإمام منّا؟ وما هو القانون الذي يريدنا أن نسير عليه؟.
أوجز الإمام (ع) عدة أسس في المجالسة فبدأها بأساس يتعلق بطبيعة الجلسة منذ بدايتها، لأنَّ الانطباع الأولي ينعكس على واقع الجلسة، سواء ما يتعلق بطريقة الجلوس أو النظرات وأسلوب التخاطب، فقال:" وأمَّا حق الجليس فأن تلين له كنفك" والمقصود من الكنف الحضن، وذلك بأن تُشعره باللين والحنو والمودَّة، "وتطيب له جانبك" بحيث يشعر بالاستئناس في جلسته معك، "وتنصفه في مجاراة اللفظ" فتستخدم الكلمات اللائقة التي تنصف جليسك، فلا تكون جارحة أو مؤذية أو غير مراعية لخصوصياته وما يأمله منك، وتترك له مجال التعبير عمَّا يجول في خاطره، فتكون بذلك مجارياً له في حديث متبادل بينكما.
"ولا تغرق في نزع اللحظ إذا لحظت"، أي لا تحدِّق بعينيك لتراقب تفاصيل حركة جليسك أو أكله أو طريقة لباسه، كي لا تقيِّده أو تربكه، فلتكن نظرتك إليه عادية وطبيعية، مهما كانت الانطباعات والملاحظات التي ارتسمت في ذهنك، إذ لا داعي لتثبيتها والتأكد منها طالما أن الهدف يرتبط بالمجالسة وليس بالمراقبة.
"وتقصد في اللفظ إلى إفهامه إذا لفظت"، فالمقصود من المخاطبة الإفهام، ولا ينسجم هذا التوجيه مع ما يفعله البعض ممن يدَّعي الثقافة وسعة الإطلاع، عندما يستخدم المصطلحات والعبارات التي لا تتلاءم مع المجلس الذي يجلسونه، وكأنهم يقصدون الهيمنة على جُلسائهم وعدم إفهامهم، لإعطاء الانطباع حول المستوى الثقافي الرفيع الذي يتميزون به. وفاتهم أنَّ لكل مقام مقال، والأعلم مَنْ يتمكَّن من مخاطبة الناس على قدر استيعابهم، فعن الرسول محمد(ص):" إنَّا معاشر الأنبياء أُمرنا أن نكلِّم الناس على قدر عقولهم"(1). وعليك أن تفسح في المجال للاستفسار والتوضيح، فمن آداب المجالسة أن تتحدث بحديث يفهمه جلساؤك.
"وإن كنت الجليس إليه كنت في القيام عنه بالخيار" لأنَّ زيارتك له مرتبطة بالأهداف التي رسمتها لها، فإذا حققتها غادرت.
ويختلف الأمر عند انتهاء الزيارة بين ان تكون زائراً أو مُستقبلاً. فإذا كنت زائراً، فتوقيت المغادرة يعود إليك بعد أن تقضي حاجتك من هذه الزيارة وتحقِّق أهدافها، فالخيار لك،"وإن كنت الجليس إليه كنت في القيام عنه بالخيار". وإذا كنت مُستقبلاً، فعليك ترك المجال لزائرك ليحدد وقت مغادرته، لأنَّه قَصَدك ويعلم مقدار حاجته من مجالستك. لكن تطول الجلسة في بعض الحالات، وتشعر بالحرج من جليسك، إمَّا لأن الموضوع قد استنفد المطلوب منه وقد حققت الجلسة أهدافها، وإمَّا لارتباطك بمواعيد أو نشاطات لا تسمح لك بالإطالة في الجلسة، فمن آداب المجلس أن تستأذن من جليسك بلباقة كي يكون إنهاء اللقاء طبيعياً ومنسجماً مع احترام خصوصيته، وفي هذا يقول الإمام السجاد(ع):" وإن كان الجالس إليك كان بالخيار ولا تقوم إلاَّ بإذنه".
إننا بحاجة إلى تقدير أوضاع بعضنا البعض، وأن نتعاطى ببساطة وواقعية لمراعاتها، فبما أن المجلس يتقوَّم بالطرفين، وقد يكون أحدهما مستأنساً ومرتاحاً لزيارة صديقه أو قريبه أو أي فرد آخر، لكنَّ ظروف الطرف الآخر لا تسمح بالإطالة، فلا بدَّ من التعاطي بيسر مع تضارب الظروف، وعلى كل منهما أن يتقبَّل خصوصيات الطرف الآخر واعتذاره بسبب الانشغال أو الخصوصيات الدافعة لذلك، من دون ترتيب أثر سلبي على هذا الموقف، على أن يتم التعبير عنه بالأسلوب اللائق والمناسب من الطرفين.