س: نرجو أن توضح لنا سبب الربط بين حق النفس وطاعة الله؟
يشعرني الاختصار الشديد الذي عرضه الإمام زين العابدين(ع) عن حقِّ النفس وكأنَّه يريد أن يقول للإنسان بأن الطريق بسيط وواضح، فلا تعقِّد نفسك بأفكار فلسفية وتحليلات عقلية مطولة وصعبة، لاحظ قوله في رسالة الحقوق :" وأما حق نفسك عليك فأن تستوفيها في طاعة الله". لماذا هذا الربط بين الاثنين ؟لأنَّ السؤال المركزي يتمحور حول تأدية حق النفس والتربية التي توصل إلى استقامتها. أمَّا الطريق والمنهجية فهما في طاعة الله تعالى ،أي إذا اتبع الإنسان أوامر الله تعالى وانتهى عن نواهيه سلك الطريق الصحيح، هذا هو التوجيه البسيط والواضح لتهذيب النفس. والمسألة ليست في إكثار الحديث والتحليل عن تهذيب النفس وحق النفس وأهميتها، بل كيف يكون ذلك؟ الإمام زين العابدين (ع) يقول: في طاعة الله. ولكن كيف تكون طاعة الله؟ إنَّ طاعة الله مفتوحة على احتمالات كثيرة وتفاسير متنوعة ، وقد حدَّدها الله تعالى في الآية الكريمة:" الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً"(6). هنا تأتي وظيفتنا في معرفة طاعة الله تعالى التي تحقق تمام النعمة وكمال الدين والراحة والسعادة ، إنها تعاليم الإسلام الموجودة بين يديك ، تقول لك: هنا يجب، وهنا يحرم، هذا مستحب، وذاك مكروه، وذلك مباح، إنها الأحكام الإسلامية الخمسة. فإذا أطعت الله تعالى بما أمرك مقتدياً بالنبي والأئمة(عم)، وملتزماً بأوامر الله ونواهيه، تكون قد سلكت الطريق الصحيح لبناء نفسك ، لتصل إلى النفس المطمئنة الراضية المرضية ، وعليه عندما يقول إمامنا (ع):" وأما حق نفسك عليك فأن تستوفيها في طاعة الله"، يعني أنَّك إذا قمت بطاعة الله كما أمرك، عبر بوابات العبور إلى العمل الصالح وهي الجوارح،"فتؤدي إلى لسانك حقَّه، وإلى سمعك حقَّه، وإلى بصرك حقَّه، وإلى يدك حقَّها، وإلى رجلك حقَّها، وإلى بطنك حقَّه، وإلى فرجك حقَّه، وتستعين بالله على ذلك"، تكون قد أدَّيت حق هذه النفس، وعندها ستشعر بالسعادة والراحة والطمأنينة ، وبغير طاعة الله لا ضرورة لأن يتعب الإنسان نفسه في تهذيبها خارج هذه الدائرة .
وهنا أريد أن أذكر أمراً لطالما ضيَّع بعض الناس أوقاتهم فيه ، ففي بعض البلدان يفتشون عن طريقة لتقوية إرادة الإنسان لتهذيب النفس، تارة يلجأون لفكرة اليوغا على أساس أنها بناء نفس وقوة إرادة ، وأخرى بإجراء بعض الطقوس والأعمال والحركات من الرقص أو الهيام بطريقة معينة ، وثالثة بفكرة وخز الجسد وإيذائه بجرحه وإيلامه كجزء من تقوية النفس وربطها بقوة كبرى هي قوة الله تعالى، ورابعة بأوراد ورياضات مرهقة للجسد تتطلب وقتاً طويلاً، وأساليب أخرى مختلفة. لسنا بحاجة إلى هذه الأساليب، فقد قدَّم الله عز وجل لنا طريقة واضحة وسليمة من خلال الإسلام لنسير على هديها كما أمر، فلو التزمنا بالعبادات والأحكام الشرعية التي أمر بها الإسلام، أي قمنا بالواجبات وتركنا المحرمات فقط، سنجد بشكل طبيعي أنَّنا نوفي أنفسنا حقها ونعيش السعادة، وسنشعر بأننا مرتاحون ومطمئنون وأن أنفسنا ترتقي، ففي الحديث الشريف عن رسول الله(ص):"اعمل بفرائض الله تكن أتقى الناس"(7). عندها يبقى على همة كل واحد منّا ما يزيده من المستحبات ويبتعد عنه من المكروهات ليرقى بها أكثر فأكثر في درجات التقوى.