’النعمة المهدوية’افتتاحية العدد194
النعمة المهدوية
النعمة المهدوية
" وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لاَ تُحْصُوهَا "، ولعلَّ أعظم النعم هي الهداية إلى الإسلام، من خلال خاتم الأنبياء محمد(ص)، وأئمة أهل البيت(عم) الهداة المهديين، وقمة النعم في زمان الغيبة هو التوفيق لانتظار صاحب العصر والزمان (أرواحنا لتراب مقدمه الفداء)، حيث يجمع استقامة المنهج، ووضوح الطريق من خلال قيادته الحكيمة، والبشارة بالنصر تطبيقاً للوعد الإلهي للمؤمنين في آخر الزمان.
هذه النعمة المهدوية تشحن النفس الإنسانية بالمعنويات، وتحقِّقُ لها حالة روحية فريدة، وتجعل المؤمن مطمئناً إلى حاضره ومستقبله، في دنياه وآخرته، وهذا ما يؤدي إلى حالة اليقين والاستقرار والتسليم التي تفضي إلى السعادة الحقيقية. لاحظ معي كيف تتراكم سعادة هذه النعمة المهدوية من خلال المؤشرات الثلاثة التالية:
1- المنهج المستقيم: وهو منهج الإسلام بدعامتيه: النظرية والعملية، أي القرآن والعترة الطاهرة لأهل البيت(عم). هذا المنهج طريق الهداية المستقيم، قال رسول الله(ص):"كأني دُعيت فأجبت، وإني تارك فيكم الثقلين، أحدهما أعظم من الآخر، كتاب الله حبلٌ ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهم"(1).
وقد أرسل الله تعالى رسله وأنبياءه ثم أتبعهم بأوليائه ليكونوا قدوة عملية للبشر، عندها لا يبقى عذرٌ لمعتذر، فسفينة النجاة موجودة بين الناس، يرونها في توجيهات وسلوكيات الأئمة(عم)، الذين يعملون لهداية البشرية، إلى أمان الطاعة وسعادة الاستقامة. فالمسؤولية يتحملها كل واحد منّا في خياره أن يركب السفينة أو أن يفارقها، قال رسول الله(ص):"إنما مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق"(2)، فلا عذر لمعتذر بأن لا يقتدي بمن يأخذ بيده إلى المنهج المستقيم.
ولو راجعنا الآيات والروايات لوجدناها تؤكد دائماً على الارتباط بين المنهج وطاعة النبي(ص) وأئمة الهدى(عم)، حيث لا يمكن الاهتداء بالمنهج من دون طاعة أولي الأمر المعصومين. قال تعالى:" وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا"(3)، وقال جلَّ وعلا:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً " (4)، وعن الإمام الرضا(ع)، عن رسول الله(ص):"من أحب أن يتمسك بديني، ويركب سفينة النجاة بعدي، فليقتدِ بعلي، فإنَّه خليفتي على أمتي، وقوله قولي، وأمره أمري، من فارقه فارقني، لم يرني ولم أره يوم القيامة، وحرَّم الله تعالى عليه الجنَّة، والحسن والحسين إماما أمتي بعد أمهما، ومن ولد الحسين أئمة تسعة تاسعهم القائم، طاعتهم طاعتي، إلى الله أشكو المنكرين لفضلهم، المضيعين حرمتهم بعدي"(5).
2- القيادة: هل يمكن الاهتداء إلى المنهج من دون قيادة؟ هل يكفي عمر الإنسان ليخوض التجارب الشخصية بحثاً عن الحقيقة؟ بل هل يكفي عمر البشرية كذلك؟ ألا نرى مستوى الانحراف والكفر مع كل ما أرسل الله تعالى من أنبياء ورسل؟
نحن بحاجة إلى القيادة التي ترشدنا إلى المنهج المستقيم، وإلاَّ عشنا الضياع والضلال، فعن النبي(ص):"من مات ولم يعرف إمام زمانه، فقد مات ميتة جاهلية"(6). لقد عرَّفنا الإسلام على هذه القيادة، فأوضح لنا أسماءهم ودورهم وموقعهم، فهم حزب الله في مواجهة حزب الشيطان، قال رسول الله(ص):"من أحبَّ أن يركب سفينة النجاة، ويستمسك بالعروة الوثقى، ويعتصم بحبل الله المتين، فليوالِ علياً، وليعادِ عدوَّه، وليأتمَّ بالأئمة الهداة من ولده، فإنَّهم خلفائي وأوصيائي، وحجج الله على الخلق بعدي، وسادة أمتي، وقادة الأتقياء إلى الجنة، وحزبُهم حزبي، وحزبي حزب الله، وحزب أعدائهم حزب الشيطان"(7).
إن وجود القيادة الواضحة الحكيمة تعبير عن شفافية هذا الدين، وتيسيرٌ لهداية الناس من خلال هذه الرموز القدوة، التي تحمل الأهلية الكاملة للتوجيه نحو الطاعة، وتمارس حياتها بأسمى خُلُق وأطهر أداء، فهم عنوان فخر واعتزاز، وهم تعبير عن الخصال التي تميِّز هذا الدين. قال رسول الله(ص):"يا فاطمة، إنَّا أهلُ بيتٍ أُعطينا ستُّ خصال لم يعطها أحدٌ من الأولين، ولا يدركها أحدٌ من الآخرين غيرنا: نبينا خير الأنبياء وهو أبوك، ووصينا خير الأوصياء وهو بعلك، وشهيدنا خير الشهداء وهو حمزة عم أبيك، ومنَّا سبطا هذه الأمة وهما ابناك، ومنَّا مهديُّ الأمة الذي يصلي عيسى خلفه. ثم ضرب على منكب الحسين(ع)، فقال : من هذا مهديُّ الأمَّة"(8).
3- البشارة بالنصر: سينتصر دينُ الله تعالى في نهاية المطاف مهما علا شأن الكافرين والمنحرفين في هذه الدنيا، فالله تعالى يمهل ولا يهمل، وإرادته حاكمة في مدِّ الكافرين والمؤمنين، إلى أن تنتهي البشرية إلى وراثة المؤمنين لقيادة العالم تحت راية الإمام المهدي(عج)، قال تعالى:" وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ "(9)، وقال :" وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ "(10).
إنَّ انتظار النصر الإلهي الموعود يبرِّد قلوب المؤمنين، ويشد من عزيمتهم في صبرهم وتحملهم، ويؤملهم باستعداداتهم وانتظارهم، ويجعل جهوزيتهم مع الإمام المهدي(عج) أقوى وأرسخ، إذ لا يخفى ما عند الإنسان من رغبة في أن ينجح وينتصر، وها هو وعد الله تعالى ماثل أمامه، بخطوات محدَّدة ومرسومة سلفاً، فالنصر الكامل مع ولي الله الأعظم الإمام المهدي(عج)، ومساحته كل الأرض حيث يعمها نور حضوره وعدالته، فعن ابن عباس، عن الرسول(ص):"إنَّ خلفائي وأوصيائي وحجج الله على الخلق بعدي اثنا عشر: أولهم أخي، وآخرهم ولدي.
قيل: يا رسول الله: ومن أخوك؟
قال: علي بن أبي طالب.
قيل: فمن ولدك؟
قال: المهدي يملأها قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، والذي بعثني بالحق نبياً، لو لم يبقَ من الدنيا إلاَّ يومٌ واحد، لأطال الله ذلك اليوم، حتى يخرج فيه ولدي المهدي، فينزل روح الله عيسى بن مريم(ع) خلفه، وتشرق الأرض بنور ربها، ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب"(11).
نفعنا الله تعالى بالنعمة المهدوية لخير دنيانا وآخرتنا.
الهوامش:
1- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج10، ص369.
2- الطبري، المسترشد، ص: 578.
3- سورة الحشر، من الآية 7.
4- سورة النساء، الآية: 59.
5- العاملي علي بن يونس، الصراط المستقيم، ج2، ص: 126.
6- ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب، ج1، ص:212.
7- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج38، ص: 92.
8- الاربلي، كشف الغمة، ج3، ص: 283.
9- سورة القصص، الآية: 5.
10- سورة الأنبياء، الآية: 105.
11- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج51، ص: 71.