ومما جاء فيها:
تميَّز حزب الله بخيار المقاومة، والمقاومة هنا ليست بدعة اكتشفها أو اخترعها حزب الله، وإنما هي مسار لكل الشرفاء الذين سبقونا والذين عاصرونا والذين سيأتون في المستقبل، كل أولئك الذين يؤمنون بوجوب استعادة الأرض، وتحقيق العزة والكرامة والاستقلال، لا بدَّ أن يؤمنوا بالمقاومة فنحن لم نتفرد بهذا الإيمان، وإنما فرادتنا أننا حوَّلنا هذا الإيمان إلى أولوية صارخة جعلتنا نتخلى عن الكثير من المكتسبات الجزئية والتفصيلية الداخلية لمصلحة بقاء المقاومة واستمراريتها.
إضافة إلى ذلك، أن هذه المقاومة قدَّمت نموذجاً لأولئك الأشخاص المبدئيين الذين يعيشون المقاومة إيماناً، وهم مستعدون ليبذلوا الروح والنفس في سبيل الله تعالى من دون النظر إلى النتائج الآنية، ومن دون النظر إلى المكتسبات الخاصة، ومن دون استثمار المقاومة في تعزيز موازين القوى الداخلية، أو محاولة تحقيق بعض المكتسبات بعنوان المقاومة.
ميزة المقاومة الإسلامية أنها مقاومة مبدئية، تنطلق من ثوابت، وهي واضحة في ما تريد، وفي الأهداف التي تريد تحقيقها، تقول ذلك للناس علناً، وتطبق ذلك في واقعها الخاص، هذه المقاومة خيار، مقاومة تريد أن تبدل الواقع إلى حالة من التحرير والاستقلال، هي ليست ردة فعل عشوائية، ولا ردة فعل طائشة أو عارضة، ولا ردة فعل يمكن أن يُساوم عليها أو يمكن أن تُشترى، ولعلَّكم تعلمون: أن مليارات الدولارات عرضت علينا تحت عنوان إعمار الجنوب اللبناني المحروم مقابل تسليم السلاح وإيقاف عمل المقاومة، قلنا لهم: لا نريد شيئاً والمقاومة مستمرة، مهما كانت النتائج ومهما كانت الصعوبات.
إسرائيل هي التي بادرت في فترات مختلفة بالاعتداء على لبنان، ولو قارنَّا كلفة الاحتلال والاعتداءات بنتائج التحرير والاستقلال، لوجدنا أننا بالتحرير حصلنا على أرضنا وحريتنا في بناء مستقبل أجيالنا، وبالمقارنة فإنَّ كلفة الاحتلال أعلى بكثير من كلفة التحرير.
لولا انتصار تموز لكانت إسرائيل في كل يوم تغتال عدداً من الأشخاص وتداهم عدداً من القرى وتعتقل عدداً من الأشخاص، وتهيء للتوطين وللحل السياسي الذي يريحها، بل يمكن أن تهيئ أيضاً لإقامة مستوطنات في جنوب لبنان والبقاع الغربي، ولكن الذي كفَّ يد إسرائيل هو ردع المقاومة، وهذا يعني أن المقاومة جلبت الخير، انتصار وتحرير سنة 2000 عمَّر الجنوب وأعاد أهله إليه، وانتصار سنة 2006 جعل هناك ردع حقيقي وقاسي في مواجهة المشروع الإسرائيلي.
إذاً ، كما أن إنجاز المقاومة في التحرير أثبت بعدها الوطني، فإنَّ إنجازها في الانتصار سنة 2006 أثبت ضرورتها، الآن لا يستطيع لبنان ان يستغني عن مقاومته، لأنها سببٌ لعزه وكرامته، وسبب لردع إسرائيل من أن تعتدي عليه، وسبب لحماية أرضه من أن يكون مسرحاً للتوطين أو للمستوطنات الإسرائيلية في داخل لبنان، ولذلك اليوم المقاومة تحولت إلى ضرورة.
نحن وازنا بين المقاومة والعمل السياسي في الداخل، اعتبرنا أن السلاح موجه ضد إسرائيل، وأن في الداخل سنعمل وفق آلية النظام المعتمد، ونحن متقبلين أن نعمل ضمن التركيبة الداخلية بقوانينها وبحسب النظام المعتمد لبنانياً، لذا دعايات الضغط بالسلاح يدحضها الأداء الذي أدَّته المقاومة، وأداء حزب الله، انسجاماً مع احترام المؤسسات الدستورية وقواعد النظام اللبناني، أسقطنا حكومة الحريري بحسب النظام، وتكلف الرئيس ميقاتي بحسب النظام، وأصبحنا أكثرية بتحالفات من ضمن النظام، وتشكلت الحكومة من ضمن النظام، ولم يكن للسلاح محل في كل هذه الخطوات، فإذا أرادوا هم أن يبرروا عجزهم بالحديث عن السلاح فهم أحرار، ولكن لنكن صريحين: فشلوا في تجربة وإدارة الحكم، فأزاحتهم الأكثرية التي تمثل الناس، ولو أحسنوا فيما فعلوا لبقوا متربعين على الحكم، وهذه هي سنة الحياة من يخطئ يدفع الثمن، ومن يفشل يدفع الثمن.
جماعة 14 آذار فشلوا في السلطة وفي التحالفات وفي التقاط اللحظة المناسبة، وفشلوا في التعاطي السياسي، صراخهم لصدمتهم بحصول ما لا يتوقعون، وضجيجهم لأن آمالهم التي لا يتيح واقعهم تحقيقها لم تتحقق، هذه مشكلتهم وليست مشكلتنا نحن، فنحن دعوناهم أن يدرسوا أسباب فشلهم، كما ندعوهم لدراسة أسباب نجاحنا لعلهم يستفيدون من أسباب نجاحنا ليعوضوا على أنفسهم، وبالتالي من سنة 2005 إلى الآن هم في انحدار مستمر، والحمد لله من 2005 فإنَّ فريقنا في حالة صعود رافقته صعوبات بالغة ثبتنا فيها لمصلحة ثلاثي المقاومة والشعب والجيش.