الموقف السياسي

من كان يتوقَّع أن يغيِّر الاتجاه لمستقبل لبنان في الانتخابات النيابية القادمة فهو مخطئ/الكلمة التي ألقاها في حفل تكريم زوجات المجاهدين الجرحى في مجمع القائم 20/3/2009

من كان يتوقَّع أن يغيِّر الاتجاه لمستقبل لبنان في الانتخابات النيابية القادمة فهو مخطئ

ومما جاء فيها:

المقاومة التي صنعت عزة لبنان والمنطقة قد تحوّلت إلى خيار لم يعدْ بإمكان أحد أن يُناقش بجدواه بعد أن قدمت المقاومة كل شيء. بكل وضوح المقاومة هي خيار لبنان المستقل وقد رأينا كيف كان لبنان بلا مقاومة، كيف كان مسحوقاً من شرقٍ وغرب، وكيف كان أداة وانتدابا، وكيف كانت تتقاذفه الأهواء العربية والإقليمية والدولية، أما مع المقاومة فقد استعاد لبنان مكانته ودوره، وهو يستطيع أن يقف اليوم أمام العالم ليُفاخر بأن التحرير الذي حصل وأن المقاومة التي أذلَّت إسرائيل لم تحصل منذ قيام هذا الكيان الصهيوني منذ أكثر من ستين سنة، وهذا فخر كبير نحن نعتزُّ به، ولذا لا نعتقد أنه يوجد اليوم نقاش بالمقاومة وجدواها وإن كانت بعض الأصوات بين الحين والآخر تحاول أن تخرج علينا بنظريات وأفكار، لكن إطمئنوا فما جذَّرته دماء الشهداء لا تُلغيه بعض التصريحات على المنابر، وما قدَّمته الجراحات لا يمكن أن تؤثر فيه بعض القرارات الدولية وبعض التوجُّهات الدولية، وهذه المقاومة التي وصفوها مراراً وتكراراً بالإرهاب، وملؤوا شاشات التلفزة والإعلام بنعتها بأنها إرهابية، ووقف المسؤولون الدوليون والإقليميون وبعض المحليين يصفون هذه المقاومة بالإرهاب، ليُخيفوا الناس ويُبعدوهم عنها، وليُسقطوها إعلامياً وسياسياً، لكن ما الذي حصل؟ دماء الشهداء والجرحى وتضحيات المجاهدين والمجاهدات جعلت المقاومة تنتصر وإرهابهم ينهزم، واليوم صورة حزب الله في العالم صورة المقاومة الشريفة العزيزة الأبية التي يحلم الناس في العالم أن يقلِّدوا تجربتها، وها نحن اليوم نرى كيف أن دول العالم الأوروبية وغير الأوروبية تمدُّ يدها لحزب الله، وتحاول أن تبني علاقات مع حزب الله، لا لأن هذا الأمر هو الطبيعي بين الدول والمنظمات بل لأن المقاومة أثبتت وجودها وحضورها وتبيَّن أن شعبيتها كبيرة جداً، وأن نجاحاتها كبيرة جداً، وأنها راسخة في الأرض رسوخ الجبال، لم نعد في لبنان نتحدث عن وطن بلا مقاومة، ولم نعد في لبنان نتعقَّل استقلالاً بلا جهاد، ولم نعد في لبنان ننظر إلى مستقبلٍ من دون دفاع ومواجهة في وجه العدو الإسرائيلي، وبالتالي أصبحت المقاومة اليوم في لبنان جزءاً من الأرض والروح والتاريخ والجغرافيا ولم تعد مجرَّد فكرة في خيال البعض، بل أصبحت متجذِّرة وحقيقية وإن شاء الله ستبقى خالدة معطاءة لمصلحة هذه الأمة.

هل تلاحظون اليوم كيف أن إسرائيل تعتدي على العالم وعلينا في لبنان في كل يوم ولا نرى مواقفاً ولا نسمع أصواتاً، هذا الطيران الإسرائيلي يخترق الأجواء اللبنانية أكثر من عشرة مرات في كل يوم، أليس هذا اعتداءً على لبنان؟ هذا الذي حصل في غزة من مجازر ودمار، ألا يُعتبر اعتداءً وجرائم بحق الإنسانية؟ ما الذي فعله العالم مع إسرائيل؟ لعلكم قرأتم وسمعتم في الأيام الماضية عن شهادات جنود صهاينة نشرتها وسائل الإعلام أنهم كانوا في المعركة يرَون فلسطينية عجوز تقطع من شارع إلى شارع، ويأتيه الأمر أن يقتل كل حياة يراها أمامه، وهو ينفِّذ لا يعلم لماذا يقتل المسنَّ أو العجوز أو الطفل؟ هي الأوامر التي كانت تأتي لإبادة الفلسطينيين، فأين هو العالم؟ لقد دمَّروا البشر والحجر ولم يحاسبهم أحد. واليوم هم يهددون يومياً إيران بأنهم يريدون الاعتداء عليها، ولو فعل هذا الأمر أي دولة في العالم أو أي جهة لقامت الدنيا ولم تقعد على تصريح واحد، حتى لو كان من شخص غير مسؤول، نحن نسمع من المسؤولين الإسرائيليين تهديدات، لإيران وللبنان ولسوريا ولغزة، وللفلسطينيين الذين يعتدون عليهم أيضاً بمزيد من الاعتقالات، فأين هو العالم؟ ثقوا أنه لو لم تكن البندقية بأيدينا ولو لم تكن المقاومة موجودة لما رفع لبناني رأسه بعزة أو باستقلال، ولذا ليعلم القاصي والداني أن هذه المقاومة التي أذلَّت إسرائيل ستبقى لتُبقي رؤوسنا عالية ولن نحنيَها بعد اليوم بعد أن سجدت لله وارتفعت بالنصر المؤزر الذي كرمنا الله تعالى به بالنصر الإلهي العظيم.

وفي إطار الحديث عن الواقع اللبناني لا بدَّ أن نرسل مجموعة من الرسائل المهمة. أولاً، نحن نحيِّي الجيش اللبناني على متابعته لبعض الأراضي المتاخمة لقرية علما الشعب، واستردادها من العدو الاسرائيلي بالترسيم الجديد، نبارك للجيش وندعوه إلى المزيد من الخطوات حتى نصل إلى حدودنا الدولية لا إلى الخط الأزرق، لأن الخط الأزرق هو خط وهمي أم الحدود الدولية فهي التي نريدها، ولن نفرِّط بشبرٍ واحد من حدودنا ولو طال الزمن إلى مئات السنين، هذا عهد قطعناه على أنفسنا وسنستمر. ثانياً، إقرار المجلس النيابي خفض سنِّ الاقتراع إلى الثامنة عشرة هو انتصار لحزب الله ولكل الشرفاء، ولكل الذين طالبوا بهذا المطلب منذ زمن، ونأمل أن تستجيب الحكومة وأن يأخذ هذا القانون مساره الطبيعي لينتخب الشباب، وأنا أعتقد أن هذه التوصية ولأول مرة، وربما من المرات النادرة في لبنان قد كسرت محرَّماً سياسياً كان موجوداً لفترة طويلة من الزمن، وإن شاء الله باقي المحرمات السياسية تسقط مثل إلغاء الطائفية السياسية وما شابه كي نتمكن من بعض المعالجة لوضعنا في لبنان. ثالثاً، أحسن رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان عندما رفض العرض الفرنسي بالمفاوضات المباشرة أو غير المباشرة مع إسرائيل، إذ ليس لنا ما نناقشه مع إسرائيل، على إسرائيل أن تخرج من الأرض المحتلة ونقطة على السطر، وبالتالي ما معنى هذا التفاوض وهذا التسويف الذي يريدونه، نحن رأيناهم يفاوضون بعض الفلسطينيين لسنوات وسنوات وكلما قطعوا مرحلة من التفاوض تأخر التحرير أكثر وازدادت العقد أكثر، كان التفاوض على أراضي الـ 67 والآن وصلنا إلى التفاوض على نصف أراضي الـ 67، والآن مع نتنياهو الذي يريد معالجة إقتصادية لا سياسية للوضع الفلسطيني، يعني أنه يريد أن يأكلوا ويشربوا فقط ليبقوا على قيد الحياة ولا يريد أن يُعطيَهم أرضاً، من هنا المفاوضات مع إسرائيل عبثية، أنا لا أقول هذا فقط بالنسبة للبنان، وهذا رأينا في حزب الله، فالمفاوضات مع العرب عبثية والمفاوضات مع الفلسطينيين عبثية، لأنها غير متكافئة وغير موضوعية ولا تؤدي لتحقيق العدالة التي نريدها في استرداد الأرض، على الأقل هذا هو رأينا السياسي. رابعاً، الانتخابات النيابية القادمة هي انتخابات مهمة، ولكن ليكن معلوماً أن هذه الانتخابات لن تعدِّل مواقع التأثير في الخط العام للبنان، وإنما ستعدِّل مواقع بعض القوى، يعني هنا يزيد نائبان وهناك ينقص نائبان، ولكن هناك اصطفافات سياسية في البلد حادة ومؤثرة ستبقى مؤثرة على القرار السياسي لكن ستختلف بعض مواقع التأثير سلباً أو إيجاباً بشكل محدود جداً، وهذا يعني أن لبنان متأثر بثلاثة عوامل لا يمكن أن نُغيِّر فيه الاتجاه السياسي العام، ومن كان يحلم أن يغيِّر الاتجاه السياسي العام في لبنان فهو يفكِّر خارج لبنان وليس في لبنان، لا يستطيع أحد أن يأخذ لبنان إلى إسرائيل ولا يستطيع أحد أن يجعل لبنان معبراً للوصاية الأمريكية، ولا يستطيع أحد أن يحرم لبنان من مقاومته، ولا يستطيع أحد أن يتسلَّط على لبنان فيُديره كيفما يشاء لمصلحة أي محور عربي أو إقليمي أو دولي، هذا أمر انتهى لثلاثة عوامل: أولاً، التجربة السابقة بيَّنت أن لبنان عصيٌّ على أن تأخذه فئة إلى حيث تريد، وهذا بعد تجربة الثلاث سنوات التي كانت من أصعب السنوات في تاريخ لبنان، وقد جرَّب من جرَّب وفشل من فشل ونجح من نجح، وبالتالي هذا التراكم الذي حصل في المرحلة السابقة أثبت أنه لا إمكانية لتغيير الاتجاه في مشاركة الجميع. ثانياً، الواقع الإقليمي والدولي فيه من المتغيِّرات ما جعل الجميع يتحدث عن تفاوض ووضع سلمي وتحاور وإلغاء الحروب الاستباقية، من أمريكا إلى زبانيتها وجماعتها وكل الذي كانوا يدورون في فلكها، اليوم نسمع لهجة التهدئة من أوباما وغيره، هذا ليس كرم أخلاق وليس لأنه من مدرسة تختلف عمَّن سبقه، هذا لأنكم وقفتم كشعوب واستطعتم أن تُثبتوا أنفسكم في مواجهة التحديات، عجزوا فغيَّروا. ثالثاً، ظروف لبنان الخاصة تجعله محكوماً بالتوافق، لأن فيه طوائف ومذاهب واصطفافات، وبالتالي أي حركة لا بدَّ أن تأخذ بعين الاعتبار حالة التوافق، إذاً من كان يتوقَّع أن يغيِّر الاتجاه لمستقبل لبنان في الانتخابات النيابية القادمة فهو مخطئ لأن لبنان لا يمكن أن يتغيَّر اتجاهه إلا إذا توافق أبناؤه وهذا ما ندعو إليه دائماً وهذا ما نصرُّ عليه.