إسرائيل هي المشكلة المركزية في المنطقة بأهدافها الثلاثة: الاحتلال، والسيطرة، واستخدامها كيَد للاستكبار الأمريكي، ولبنان واقع في دائرة الاستهداف الأمريكي والإسرائيلي، وخياره أن يواجه تحديات الاحتلال، وعدم الاستسلام رغم التآمر الدولي الذي يحيط إسرائيل بعنايته وإلاَّ سقط لبنان.
وقال: عندما نريد أن نتحدث عن تحديات فنحن أمام تحديات كثيرة بطبيعة الحال، أبرزها خمسة :
التحدي الأول هو مواجهة التسلط الدولي، وخارطة هذا التسلط في إنشاء شرق أوسط جديد يتناسب مع الخيارات الأمريكية والمصالح الإسرائيلية، وهنا نحن نعتقد أن المقاومة قادرة على المواجهة، والمواجهة هنا أن تصمد، وأن تقوى وتتوسع، وأن تضم أكبر عدد ممكن من الشرائع الاجتماعية المختلفة، وأن تثبت حضورها وفعاليتها، عندها سيرى الآخرون أنهم أمام قوة وسد منيع. وعندما نتهم أننا أقوياء فمن الطبيعي أن نكون أقوياء، ويجب أن نكون أقوى، لأن إسرائيل لا تفهم إلاَّ لغة القوة، ولأن العالم لا يحترمنا إلاَّ إذا كنا أقوياء، وإذا أخذنا حقاً من حقوقنا فبسبب قوتنا وليس بسبب حقنا، لأن لا أحد يعترف في هذا العالم على المستوى الدولي بمعادلة الحق وإنما بمعادلة القوة، من هنا، نعم المقاومة قوية وسنعمل لتكون أقوى ويجب أن تبقى أقوى لمواجهة التحديات وهذا عنوان فخر ٍ وليس عنوان مساءلة بالنسبة لنا.
التحدي الثاني هو التنظير للحلول السياسية كبديل، ودائماً ما نسمع أن الحل السياسي هو الأفضل وهو أقل كلفة، وهو الذي يمكن أن يتلاءم مع المعادلات الإقليمية والدولية، هذا الحل السياسي مطروح لفلسطين ولبنان وللمنطقة، نحن نعتقد أن الحلول السياسية التي تجري بإدارة مجلس الأمن وأمريكا هي حلول ظالمة بل هي تعقيدات وليست حلولاً، علينا أن نرفض الظلم ونصنع بوجهه سداً بانتظار التغيرات المتلاحقة والتي بدأت بحمد الله تعالى في تونس ومصر.
التحدي الثالث: يثيرون عبء التضحيات التي تُبذل، ويعتبرون أن الخسائر أكبر بكثير من التضحيات في عملية المواجهة، ونحن نعتبر أننا إذا خسرنا ألف شهيد في عدوان تموز، وعدداً كبيراً من البيوت التي تمَّ التعويض عليها بشكل أو بآخر فإنَّ خسارتنا للإستسلام ستكون أكبر بكثير لأنه عندها لن يكون لنا قدرة على أن نرفع رؤوسنا أو أن نرفض أو أن نطلب أو أن يأتي إلينا الغرب ليسألنا عن حقوقنا وعن طلباتنا، إذ عندها سنكون تحت يد إسرائيل تفعل بنا ما تشاء وتفرض ما تشاء خوَّةً أو قتلاً أو أي أعمال عدوانية أو إجرامية، ولعلمكم لولا هذه التضحيات لما بقيت إسرائيل أربع سنوات ونصف لا تتجرأ أن تقتل واحداً من المقاومين جهاراً وبشكل مباشر من خلال طائراتها لأنها تخشى من ردة الفعل ومن جهوزية حزب الله للردع وللمواجهة في قتال إسرائيل.
التحدي الرابع هو وصمنا بخدمة الأهداف الخارجية، تارة يقولون أنتم تقاتلون نيابة عن العرب، وأخرى أنتم تقاتلون لمصلحة سوريا وإيران، وثالثة يقولون أنتم تقاتلون لأجندات خارجية، ونحن أقوياء في مواجهة هذا التحدي، لأننا نتحداهم أن يعطونا مثلاً تطبيقياً واحداً خدمنا فيه أحداً في العالم، ولم نخدم أنفسنا، بل كل الأمثلة مبنية على أننا انتصرنا وهزمنا إسرائيل، وحررنا الأرض، ورفعنا رؤوسنا عالياً، وأصبحنا مقاومة قوية، وهذه كلها مكتسبات لنا ولكن حلفاؤنا في العالم وفي العالم استفادوا لأن الريح الطيبة إن فاحت لا يمكن حصرها وسيستفيد منها الأشخاص الذين لم يصابوا بزكام المقاومة وكانوا معها.
التحدي الخامس: نظرية تعارض قيام الدولة وحضور المقاومة، وهذه نظرية ثبت خطؤها وفشلها، لأن أفضل نموذج لقيام الدولة والتناغم مع المقاومة هو النموذج اللبناني، إذ أن المقاومة حاضرة وجاهزة وتقوى يوم بعد يوم، ومستعدة لكل التضحيات والتحديات والدولة تتابع شؤونها بشكل عادي، ويحصل التنافس وتسقط حكومة وتأتي حكومة ويدير الجيش شؤون الأمن في داخل هذا البلد، وتقوم الإدارات المختلفة بقضاياها، وكأننا أمام موضوعين مختلفين تماماً: المقاومة في مسار والدولة في مسار، والرائع هو هذا التنسيق بين المسارين، ما جعل ثلاثي القوة الجيش والشعب والمقاومة يثبت نفسه أنه الأصلح للبنان، فلن تمر على لبنان لحظة تاريخية عظيمة كهذه اللحظات التي نمر فيها، حيث يرفع الجميع رؤوسهم أن لبنان ليس ساحة، وأن المقاومة جاهزة، وأن الجيش سندٌ قوي، وأن الشعب متكاتف، وأن الدولة لا بدَّ أن تُدار بطريقة سليمة فيما يتعلق بمصالح الناس ومستقبل المقاومة.
لا عودة إلى الوراء بعد الآن، ولبنان القوي لا نقبل أن يكون ضعيفاً كرمى عيون أحد، والمقاومة ولبنان أصبحا صنوان لا ينفصلان، بحيث لا يمكن أن ننزع المقاومة عن لبنان ولا لبنان عن المقاومة، وهذا هو التاريخ وهذا هو الحاضر وهذا ما سيؤسس للمستقبل إن شاء الله تعالى.
أمَّا التحريض المذهبي والفئوي فهو يرتدع دئماً على أصحابه كما ترون، لأنه صراخٌ يخالف حقائق الواقع الدامغة، إضافة إلى ذلك فلبنان لا يمكن أن تحكمه فئة مهما علا شأنها ومهما كانت إمكاناتها، ومهما كان دعمها الدولي والإقليمي نحن بحاجة أن نكون جميعاً معاً، وأن تتضافر الجهود ليقوم لبنان بمشاركتنا ومتابعتنا كفئات موجودة على هذه الساحة.
اليوم تشكيل الحكومة يسير في مساره الطبيعي، وهو مسار ضروري لا يمكن لأحد أن يعطله، وإذا رفض البعض المشاركة فهذا شأنهم وهذا جزء من اللعبة الديمقراطية، وليجربوا حظهم بالطريقة التي يرونها مناسبة، إنْ أتعبتهم المشاركة فلا بأس بالمعارضة، ونظامنا اللبناني يتيح فرض الحضور للجميع، والحضور السياسي لا يقتصر على الموالاة وإنما يتيح المجال للمعارضة، إذاً لسنا أمام مأزق اسمه الحكومة التي أسقطت حكومة سابقة، إنما نحن أمام عملية طبيعية تنسجم مع القوى الموجودة في لبنان، ومعادلات الاختيار الشعبية من خلال النواب. ومن سمَّى الرئيس ميقاتي كرئيس للوزراء أو قرر المشاركة حتى ولو لم يسمه يمثلون تلاوين الطيف اللبناني بشكل كبير، حيث اختلطت الألوان إلى درجة رأينا معها أن القوى التي وافقت على هذا التكليف وعلى تشكيل الحكومة القادمة لها قاعدة تمثيلية واسعة جداً من جميع الطوائف، ومن جميع الفئات بما يعطينا نموذجاً لمرحلة جديدة نأمل فيها الخير وأن تكون فيها النجاحات.
نحن اليوم تجاوزنا التنظير للمقاومة لنصل إلى التنظير لما بعد المقاومة، أتمنى أن لا يتعبوا أنفسهم كثيراً، فليأتوا إلينا وقلوبنا مفتوحة وليكونوا في هذا الخط، وقد رأينا على مستوى المنطقة تتهاوى كل الأشكال الكرتونية التي صنعها الاستكبار، وتتهاوى كل الأفكار الديكتاتورية الخبيثة التي تنظر لبقاء إسرائيل، وثبت بما لا يقبل الشك أن المقاومة والثورة هما الحل، والمقاومة هي فعلٌ تأسيسي، ولا أقول أنها ستنجز نتائج خياراتها بعد سنة أو سنتين، ولكنها بالتأكيد تضع حداً أمام خيارات الآخرين المعادين، لتنطلق لتحقيق التدريجي لخياراتها تمهيداً للانتصار في المستقبل أن شاء الله.