لبنان اليوم مشغول بالمحكمة، والمحكمة بدعة دولية للفتنة والإفساد، لم تكن يوماً لشكف الحقيقة منذ نشأتها، كل الدلائل تشير إلى أن المحكمة أمريكية إسرائيلية نشأةً وهدفاً، وكل المعطيات التي انكشفت مؤخراً تدل على هذه النتيجة، هذه المحكمة استهدفت من اللحظة الأولى قوى الممانعة والمقاومة وعلى رأسها سوريا وحزب الله، راجعوا كتاب سر الرؤساء الفرنسي، الذي كشف بأن شيراك بالاتفاق مع بوش قررا إنشاء المحكمة لإسقاط النظام في سوريا وتأجيل الضغط على حزب الله لتجزئة الأعداء في مواجهتهم، وبالفعل سارت المحكمة لسنوات في مواجهة سوريا، وتغيَّرت الظروف والمواقع فانتقلوا للخط الآخر، وراجعوا وثائق بلمار مع السفارة الأمريكية في بيروت، عندما يتحدث ويقول بكل صراحة وبجملة موضوعة بين مزدوجين " أنتم اللاعب الأساسي "، ويقول: وللولايات المتحدة الأمريكية استثمار ضخم في المحكمة، ونحن نريد منكم أن تتعاونوا معنا ليُعطي استثماركم نتائجه الميدانية. هذا بلمار الذي طلب أيضاً في جلسة أخرى أن يزوِّده الأمريكيون بأسئلة تفصيلية تساعده من أجل الدخول إلى التحقيق وهو متسلط عليه، وأن يبيِّنوا له مواطن الضعف الإنساني، حتى يذهب إلى سوريا ويبدأ التحقيق وهو يتوقع سلفاً أن ترفض سوريا، وعندها أستطيع أن أقول للعالم أن سوريا غير متعاونة لكن أعينوني بالأسماء والأسئلة، كما يقول بلمار. أما بولتون فقد رأى أن المحكمة تتهاوى وهي ربما تكون ابنته البكر، فأراد أن يحميها من أولئك الذين فضحوها وكشفوها، فأعلن للملأ بأنه كان وراءها وأنه عمل من أجلها، وذلك ليقوي جماعته في لبنان كي يتمسكوا بها حماية لمشروع أراده وهو يعتقد أنه ينفعهم وفي آنٍ معاً كي لا يخسر استثمار المحكمة. هذه هي المحكمة الخاصة بلبنان، محكمة مشوهة تهدف إلى إعادة الوصاية الأمريكية وخدمة المشروع الإسرائيلي وضرب المقاومة وإحداث الفتنة.
نحن نعتبر أن هذا المسار مسار خاطئ بل مسار مضر ومؤذٍ للبنان، ولذا عندما بدأت المساعي السورية السعودية وافقنا عليها وهللنا لها ودعَونا إلى إنجاحها، لأنها نقيض للاستقواء بالأجنبي والوصاية على لبنان. نعم نحن كحزب الله وكذلك المعارضة متحمسون لهذا الحل، لأن هذا الحل يحمي البلد، ومن دونه لن يربح أحد، فمن كان يظن أن سيف المحكمة يمكن استخدامه ضد حزب الله والمعارضة فهو واهم، هذا السيف لا يقطع فقد قطعت المقاومة دابر إسرائيل من لبنان، وهي قادرة على أن تقطع دابر أولئك الذين يستخدمونها، إبحثوا عن طريقة أخرى، فهذه المقاومة مستمرة بنهجها وقوتها وجهوزيتها وتحدياتها، وهي مستعدة لأي مواجهة يمكن أن تُفرض عليها، لن تطأطئ رأسها بعد أن رفعته عاليا ً لله وللعزة والكرامة والانتصارات التي حصلت. لا يظنَّن أحد أننا نركض وراء التسوية لأننا مرعوبين وخائفين، كلا فقلبنا على الذين لا يفهمون مصلحتهم.
نحن نأمل أن تنجح هذه التسوية وهذه المساعي السورية السعودية، وقد قمنا بما علينا ونحن ننتظر، ولعل الأيام القادمة تأتينا بجديد إيجابي.
هنا نسمع خطاباً متوتراً ومتشنجاً وطائفياً ومذهبياً بين الحين والآخر في لبنان، وهو في أحسن الأحوال يسمِّم الأجواء، لكنه لا يحقق أي إنجاز لأي طرف من الأطراف، بل يهيء بيئة الفتنة، من المفيد إراحة الناس، والحديث بطريقة عقلانية، ورفض المواقف أو الآراء بتحليل ومنطق بدل الشتائم والرذائل التي يرتكبها البعض، بانتظار الحلول الجدية التي تريح الجميع.
نحن نؤكد مجدداً على ضرورة انعقاد جلسة مجلس الوزراء بأسرع وقت ممكن لإنجاز ملف شهود الزور، فهو يحتاج لأحد أمرين: إما أن يُحال إلى المجلس العدلي، وإما أن يجري التصويت. وهل الاتفاق بالقوة؟ فالتوافق كما يريدون ليس توافقاً ! نحن كمعارضة وافقنا وسهَّلنا ودعونا وندعو لانعقاد مجلس الوزراء، لكن يجب أن ننتهي من هذه القضية التي تحتاج إلى دقائق بالتصويت أو الإحالة إلى المجلس العدلي، بعد أن تحدث المتحدثون عن آرائهم، وبالتالي الناس لهم حق في أن تُعالج قضاياهم ومشاكلهم، ونحن ندعو للتعويض على أصحاب الأضرار بسبب العواصف والثلوج بأسرع وقت ممكن، لنخفف الوطأة عن هؤلاء الناس قدر الإمكان وهذه مسؤولية، وعندما لا ينعقد مجلس الوزراء فنحن نحمِّل الطرف الآخر المسؤولية كاملة، لأننا واضحون ونقول رأينا للناس وليس لدينا ما نُخفيه.
أريد أن أذكِّر أن التصريحات الإسرائيلية التي تأتي على لسان المسؤولين المختلفين بين حين وآخر لا تخلو من تصريحات حربية وعدوانية، ولكننا لا نسمع موقفاً دولياً أو مواقف شاجبة لهذه التصريات، فإسرائيل دائماً تتحدث عن الاستعداد للحرب والقتال والهجوم على غزة واحتمال الهجوم على لبنان أو على سوريا أو على إيران، وتمر هذه التصريحات بشكل عادي وطبيعي، فإذا تحدث أحد من عندنا وقال سندافع، تقوم الدنيا ولا تقعد. ما الذي تريدونه؟ أتريدون الاستسلام لإسرائيل؟ أمامنا تجربة القرار 1425، اثنان وعشرون سنة بقيَ القرار في الأدراج وكانت إسرائيل تضحك علينا، إلى أن ضحكنا عليها في سنة ألفين عندما هربت خائبة في الليل المظلم.
نحن سنبقى على نهج المقاومة ونعتبر أن أنجح معادلة اكتشفها لبنان وعمل عليها في الزمن المعاصر، وأقوى معادلة توفق من خلالها ليؤسس للبنان المستقبل هي ثلاثي الجيش والشعب والمقاومة، فتحية إلى هذا الثلاثي لنصرة لبنان وعزته.
أختم بالإدانة والاستنكار للقتل اللئيم المجرم الذي حصل للأقباط في مصر، والذي حصل للمسلمين والمسيحيين في العراق وفي إسرائيل، وهؤلاء القتَلة جميعاً هم جزء لا يتجزأ من الإرهاب الدولي الأمريكي الصهيوني الآثم، والذي يجب مواجهته لأنه يواجه حقيقة التعايش الذي يجب أن يكون بيننا. آن لنا في لبنان أن نستفيد من هذه التجارب، وأن نخرج من طوائف تريد لبنان لها إلى طوائف تعطي للبنان ليكون للجميع وهي جزء منه، نحن ندعو إلى رفض تطييف لبنان وإلى لبننة الطوائف من أجل أن نبقى جميعاً ونربح جميعاً بإذن الله تعالى.