الموقف السياسي

الشيخ نعيم قاسم: لو اردنا خلاص بلادنا واجيالنا، علينا أن نتوحد حول القدس

الشيخ نعيم قاسم: لو اردنا خلاص بلادنا واجيالنا، علينا أن نتوحد حول القدس
الكلمة التي ألقاها في افتتاح مؤتمر الوحدة الاسلامية في طهران في 2018/11/23. ومما جاء فيها:

مؤتمر الوحدة الإسلامية "القدس محور وحدة الأمة"

 

يتجاوز احتلال فلسطين والقدس احتلال الأرض، فهو احتلال للفكر والعقيدة وثقافة الأجيال، وهو احتلال للقيم، وهو نشر للرؤية المادية ومنظومة الفساد والأخلاقي والسياسي والاجتماعي...

 

احتلال فلسطين هو زرعٌ لقاعدة لتغريب في منطقتنا، تُعَّل بواسطتها من خلال إسرائيل قدرات المنطقة ونموها وتطورها، وتشكل إسرائيل أداة التطويع والاستسلام لها وللغرب، ومحطة للشر والفتن والاضطرابات والتحكم بمسار بلدانها، وهي الحضن الدافئ لكل تخريب وتشويه لمبادئ الإسلام. ولذا نجد التناغم بين التكفيريين وإسرائيل التي مدَّتهم بالعون والرعاية في سوريا ولم يطلقوا طلقة واحدة، والتناغم مع الحكام المستبدين الذين يسارعون إلى التطبيع كجزء من حماية عروشهم كجزء من منظومة حماية إسرائيل في منطقتنا.

 

أما الاستكبار الأمريكي فهو يمثل فرعون العصر، ورأس هم الاستبداد والظلم والسيطرة والإجرام، فهو يدعم إسرائيل كجزء من مشروعه، وكل التسويات الأمريكية تستهدف إلغاء فلسطين، ودليلها الصارخ صفقة القرن ومقدمتها الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.

 

تكاتفت أضلاعُ الشَّر الثلاثة: أمريكا وإسرائيل والسعودية، برموزه الثلاثة: ترامب ونتنياهو ومحمد بن سلمان، ضد فلسطين والقدس، أي ضد الأمة الإسلامية والعربية، وضد الإسلام كمشروع وخيار.

 

منظومة الحق والخير واحدة لا يمكن تفكيكها، فالإسلام بشموليته لرسالات السماء والنصرانية واليهودية هو المحور وهو طريق الحق، وفلسطين بلدٌ محوري في منطقتنا وبلداننا، والقدسُ محور فلسطين، فإذا أردنا خلاصنا واستقلال بلداننا ومستقبل أجيالنا، يجب أن نتوحَّد حل القدس وفلسطين.

 

نتوحد حول القدس كبوصلة لخياراتنا الثقافية والسياسية والجهادية، نتوحد حولها بدعم المقاومة للاحتلال لتحريرها كاملة من دون قيود ولا شروط، فالقدس غير قابلة للتجزئة إلى شرقية وغربية، وهي كالزيتونة التي تضيء لا شرقية ولا غربية، وفلسطين غير قابلة للتجزئة من البحر إلى النهر، وشعبها غير قابل للتجزئة فتراب القدس والضفة والقطاع واحد، والمصير واحد، ونحن مع الشعب الفلسطيني المقاوم الذي يرفض التنازل أو المساومة على أية حبة تراب من أرضه، التي جُبلت بدماء الشهداء فاكتسبت القداسة، والقداسة لا تتجزأ، ومن كان مع الله تعالى لا يبالي، "كنت يده التي أبطش بها...".

 

الوحدة حول القدس موقف وجهاد وسلوك، والوحدة تضحية بالأموال والأنفس، والوحدة هي المواجهة للفتنة المذهبية، وأنانية الأقطار، وهي ضد التبعية للاستكبار، ولا تشتريها الأموال ولا النفط ولا العصبيات، الوحدة أن نكون معًا لتحرير الأرض،  والمقاومة ضد إسرائيل، وضد التنازل عم أرض فلسطين. الوحدة أن نصبر أمام التحديات والتآمر الدولي والإقليمي ونبقى في الميدان سدًا منيعًا. الوحدة أن لا نضيع في زواريب السياسة وأن لا نضيِّع جدوى المقاومة بأحابيل التبعية الأجنبية والمال الخليجي.

 

فلنقلها بالفهم الملآن، الجمهورية الإسلامية الإيرانية رمز وقيادة الوحدة الإسلامية، وهذا التحول العظيم في مسار محورية القدس ووحدة الأمة مدين للإمام الخميني(قده) الذي قلب الموازين وغيَّر الاتجاه، فبينما كانت المنطقة متجهة إلى إقفال ملف فلسطين بكامب ديفيد ووادي عربة، أعلن الإمام سفارة فلسطين بدل من سفارة إسرائيل، واتبعها بكل أشكال الدعم للقضية الفلسطينية، ورعى ولادة مقاومة حزب الله في لبنان... ولمس الجميع تغيير المسار في المنطقة، فبدل أن تُقفل آفاق المقاومة مع اجتياح 1982، تجلت المقاومة بأبهى صورها، فانتصرت في لبنان، وانتصرت في فلسطين على إسرائيل، وطوَّقت منافذ تثبيت الاحتلال الإسرائيلي من جهاته الثلاث: الإسرائيلية والأمريكية والتكفيرية، فخسرت إسرائيل حروبها المباشرة، ولم تتمكن تهديدات أمريكا لإيران ولا مشاريع الشرق الأوسط الجديد من بوابتي لبنان وسوريا أن تمر،وانهزم التكفيريون ومعهم رعاتهم في الخليج في سوريا والعراق ولبنان.

 

المقاومة اليوم هي أبهى تجليات الوحدة، من كان معها ومع محورها فهو مع الوحدة قولًا وعملًا، ومن لم يكن كذلك فهو "كالغنم الشاردة........".

 

الوحدة تكون حول المشروع، ليس عنوانها الوحدة بين السنة والشيعة فقط، بل عنوانها الوحدة حول المشروع، حول تحرير القدس، حول المقاومة. لا يمكن أن يكون مع الوحدة من لم يكن مع المقاومة ومشروعها.

 

الوحدة حول القدس، تعني أن نكون مع فلسطين محرَّرة من البحر إلى النهر، ومع شعبها ومجاهديها، تعني أن نكون مع إيران الإسلام في قوتها واستقلالها وصدارتها لحمل هموم المسلمين، وأن نكون مع لبنان ومقاومته حزب الله بكل خطواتها، وأن نكون مع تحرير سوريا بقيادة الرئيس بشار الأسد، ومع عودتها موحَّدة في إطار حل سياسي يتفق عليه السوريون، وأن نكون مع العراق بخيارات أبنائه محرَّرًا من أمريكا وعملائها والتكفيريين، وأن نكون مع اليمن في حقِّه بخيارات شعبه غير خاضع للاحتلال السعودي، وأن ندين بشدة هذا التآمر الدولي على شعب اليمن وتدمير مدنه وقراه وقتل أطفاله وشيوخه ونسائه وتجويعهم، وأن نقف بكل عزيمة مع شعب البحرين في مطالبه بالمشاركة في السلطة ورفض الاستبداد واستنكار أحكام الاعدام بحق قيادته ومجاهديه وعلى رأسهم سماحة الشيخ علي السلمان.

 

الوحدة حول القدس تعني أن نكون مع كل مقاومة على امتداد عالمنا ضد الاحتلال والتبعية والاستبداد.

 

الوحدة طريق النصر الوحيد، ونحن نتلمس خطواته ولا نستعجله، فلكل ثمر أوان قطاف. الوحدة أن نبقى في الميدان مقاومين مهما كانت التضحيات والصعوبات، " وَلاَ تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً".

 

بالوحدة انتصرنا في كل مواقع المقاومة، وانتقلنا إلى معادلة: المقاومة المنصورة في مقابل خذلان المهزومين.

 

مسيرات العودة إبداع في عمل المقاومة، وهي تدل بأنَّ خيارات المواجهة كثيرة، وأنَّ قيمة العمل المقاوم بإرادة المقاومين وجهادهم، فهم قادرون على تحويل الإمكانات البسيطة إلى قدرات كبيرة، مصداقًا لقوله تعالى: "كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ".

 

المقاومة تراكم إنجازات النصر، والعدو يراكم علامات الوهن والهزيمة، محور المقاومة يتقدَّم في مواقع متعددة، ومحور العدوان والإجرام يتقهقر فيها، ولأننا نجمع ثلاثي: الإيمان، والحق، والجهاد، فالنصر حليفنا إن شاء الله تعالى.

 

العقوبات على إيران بسبب دعمها للمقاومة وقدراتها الدفاعية، وقد تهاوى قسمٌ منها بحكمة القيادة والتفاف الشعب حولها، وهي غير قادرة على تغيير مسار إيران، فإيران التي تحملت أربعين سنة وهي تواجه لتثبيت استقلالها، ودعم المقاومة، ونجحت في مختلف الميادين، وهي اليوم أصلب وأقوى وستنجح إن شاء الله تعالى.

 

الوحدة اليوم قوية ببركة وجود قيادة الإمام الخامنئي(حفظه المولى)، فهو الموجِّه والمثبِّت وراسم معالم الطريق وحامي استقامة المسار، وهو دعامة المقاومة ، الصلب والواثق بالله وبنصره ولا تهزه الأعاصير ولا التهديدات، ومعه شعب إيراني مجاهد، وحرس الثورة الحاضرين في مواقع الجهاد الأمامية.

 

بتوجيه البوصلة إلى فلسطين والقدس، انتصر حزب الله في لبنان أكبر وأعظم انتصار في تاريخ الصراع مع إسرائيل، وساهم بفعالية في إسقاط دويلات التكفير الخطيرة على الفكر الإسلامي وأرض المسلمين. حزب الله في لبنان قوة جهادية وسياسية محترمة ولها وزنها، اكتسب حزب الله مكانته بجهاده وعطاءات شهدائه، وهو الآن رقمٌ وازن في المعادلة الداخلية، ومؤثر في خيارات المنطقة، وهذا عائدٌ إلى أننا ندافع عن الحق والاستقلال بصدق وأخلاق ووفاء.

 

ثلاثي الجيش والشعب والمقاومة أصبحت دعامة لبنان التي لا تهزها صرخات المنهزمين، موقف حزب الله السياسي والمقاوم عابر للطوائف والأحزاب من موقع الوحدة الوطنية والوحدة الإسلامية، وسنبقى في الخندق المتقدم لتحرير الأرض وحماية لبنان من إسرائيل، ونحن نراكم في كل يوم المزيد من الإمكانات للمحافظة على ردع إسرائيل والبقاء على أعلى جهوزية للمواجهة فيما لو اعتدت علينا. مع المقاومة يتألم العدو أكثر مما يتألم شعبنا، ونراكم نصرنا وهزيمته، ونحمي خياراتنا ومستقبل أجيالنا، دماء مجاهدينا أينعت ثباتًا دائمًا في الميدان.