تابع الإمام الخامنئي خط الإمام الخميني(قده) وحمى هذه الدعائم، ورسخها وثبتها ونشرها وأكدها، وكان دائمًا يعمل من أجل أن تبقى هي الرايات وهي العلم لأنها بذلك تستطيع أن تنقل شعوب المنطقة من حالتهم الجاهلية والخاسرة والمذلة إلى حالتهم المعاصرة والمرتاحة والعزة.
أذكر قصة حصلت سنة 1982 لقد كان هناك وفد لبناني يزور الإمام(قده)، أحد أعضاء الوفد قال للإمام: نحن نعاني الكثير ونضحي التضحيات الكثيرة، ونحن قابلون بذلك وراضون، كل هذه التضحيات لأن لنا علاقة بإيران، فصحح له الإمام (قده) قال: أنتم تعانون لا لأنكم مع إيران، فإيران كانت على عهد الشاه وكان وضعها طبيعيًا في هذا العالم المستكبر، لكن عندما حملت الإسلام واجهوها، هم يواجهون الإسلام ولا يواجهون إيران، وأنتم تتحملون العبء لأنكم تحملون الإسلام لا لأنكم مع إيران.
ما هو الموجود اليوم في إيران؟ يواجهون على المستوى الدولي المشروع النووي الإيراني لسنوات وسنوات طويلة، وكان الناس لا يعون ما قصة المشروع النووي الإيراني، أكد الإيرانيون مرارًا وتكرارًا بأنه مشروع سلمي لأن الطاقة النووية حقٌ طبيعي لأي دولة من أجل أن تستخدم الطاقة النظيفة المنتجة والتي تدخل في مجالات مختلفة.
كانت أمريكا والدول الكبرى يقولون دائمًا : لا، إيران تريد أن تصل إلى النووي العسكري، صرَّح الإمام الخامنئي(حفظه الله ورعاه) بأن إنتاج القنبلة النووية حرام، ولكنهم أصروا على مواقفهم، إلى أن جرت محادثات ومباحثات طالت سنوات، ثم كان الاتفاق النووي الذي ثبت بعقده أن إيران لم تكن قد أنجزت قنبلة نووية وإنما تقدمت في العلم النووي وهذا التقدم هو أمرٌ طبيعي، ولا يوجد مشكلة اسمها النووي الإيراني، ما هي المشكلة إذًا؟
منذ وقت المباحثات الإيرانية كانت إدارة أوباما تُطالب أن يناقش مع النووي قضية فلسطين وقضايا المنطقة، وموقع إيران في هذا العالم، ولكن الإمام الخامنئي(حفظه الله) ببعد نظره الرباني رفض أن يتم النقاش إلا بالاتفاق النووي، وحصل الاتفاق. ولكن بعد ذلك بدأت الإدارة الأمريكية تطالب بتعديل الاتفاق النووي، هم يريدون إضافة أمرين: أولًا :
1- لا يريدون لإيران أن تكون قادرة على الدفاع عن نفسها، ولا قادرة على تطوير صواريخها حتى تكون ضعيفة فيتمكنوا من فرض ما يريدون عليها.
2- لا يريدون لإيران أن تكون نصيرة ولا ملهمة لشعوب المنطقة لأن شعوب المنطقة قويت واستطاعت أن تواجه المستكبرين والمستبدين من خلال هذا الدعم المعنوي والسياسي والعملي الذي قدمته إيران فتبين أن شعوب المنطقة تمتلك طاقات عظيمة من أجل التغيير، وأن لا تكون تحت أمرة أمريكا أو إسرائيل.
من الذي يساعد على حركة شعوب المنطقة؟ إيران. من الذي يمنع أن يتم التسلط بكل قوة؟ قوة إيران في بلدها، ولذلك هم يريدون التفاوض على الصواريخ وعلى تدخلات إيران في المنطقة التي يقولون عنها.هذه المواجهة إذًا ليست مواجهة للمشروع النووي، هي مواجهة لإيران الرمز والقوة، كيف يحق لهم أن يدعموا الاحتلال، ولا يحق لإيران أن تدعم المقاومة، كيف يحق لهم أن يكونوا مع إسرائيل بالسلاح والمال والإمكانات ولا يحق لإيران أن تكون مع الشعب المجاهد المعطاء، كيف يحق للدول الكبرى أن تعبث في منطقتنا وتنتهك حرماتنا وتأخذ اقتصادنا ولا يحق لإيران أن تعلمنا وتساعدنا لنقول: لا، سنبني بلداننا بإرادتنا ونحرر.
إن دعم إيران أدَّى إلى إخراج لإسرائيل من لبنان ذليلة مدحورة في انتصار سنة 2000، ثم في مواجهة 2006 لتسجل أننا لسنا ضعفاء نحن أقوياء، قالوا لنا بأنكم لا تستطيعون، وقالت لنا إيران أنتم قادرون، فتوكلنا على الله وبقدره وبجهاد شعبنا انتصرنا على إسرائيل التي قالوا لنا بأنها لا تُهزم ولكنها هزمت، هم يخافون من إيران التي تهزم إسرائيل ومن وراء إسرائيل.
حزب الله المولود من إشعاعات خط الإمام الخميني(قده)، اكتسب الأركان الثلاثة والدعائم الثلاثة لخط الإمام(قده): فقدم النموذج الإسلامي الأصيل، وعمل للاستقلال ورفض التبعية، وواجه الاحتلال ضمن بوصلة تحرير فلسطين، فحقق هذه النجاحات.
إن انتصارات حزب الله ربحٌ خالص للبنان أولًا، ولولاها لاستسلم لبنان الضعيف للتوطين، وكان أداة لمصالح أمريكا وإسرائيل. التحرير عام 2000 إنجاز لم يتوقعه العالم، وصمود وتضحيات مواجهة 2006 إنجاز آخر لم يتوقعه العالم، إن تضحيات مجاهدي حزب الله وشعب لبنان حمت لبنان من جهتي الجنوب والشرق ضمن معادلة الجيش والشعب والمقاومة، أي من إسرائيل والتكفيريين، والأعداء اليوم يعيشون الصدمة فهم لا يتقبلون أن يتمكن حزب صغير وحلفاؤه من أن يهزموا مشروع الشرق الأوسط الجديد مرتين، مرة من بوابة لبنان ومرة من بوابة سوريا.
لكم علينا أيها الشهداء كل التحايا، التحية للشهيد السيد عباس، والشهيد الشيخ راغب، والشهيد الحاج عماد، والشهيد الحاج مصطفى، التحية لإمام الأبطال والمقاومين الإمام الصدر، التحية لكل المجاهدين والشهداء، التحية إلى رائد الأحرار في العالم الإمام الخميني(قده)، نحن في مسيرتنا كما الجميع بين خيارين لا ثالث لهما:
- بين خياري الاحتلال أو التحرير، نحن مع المقاومة.
- بين خياري التبعية أو الإستقلال، نحن مع السيادة.
- بين خياري التغريب أو الإيمان، نحن مع التدين.
- وبين خياري محور البغي والشر أو محور المقاومة، نحن مع فلسطين محرَّرة.
- وبين خياري لبنان الأداة أو لبنان القرار، نحن مع لبنان الوطن القوي مرفوع الرأس رغم أنف الحاقدين.
نجاح لبنان في مواجهة خطر التكفيريين، أنجز انتخابات الرئاسة وانتظام عمل المؤسسات ودعم الاستقرار، وأنجز انتخابات نيابية ناجحة، وهم مذهولون من نتائج هذه الانتخابات، ولكن ألا يعلمون أن الانتخابات تعني خيار الشعب؟ الشعب اللبناني قال كلمته في الانتخابات النيابية، وعلى المسؤولين فغي الداخل والخارج أن يفهموا تمامًا أي خيار يريده هذا الشعب بعد الانتخابات، إنه يريد خيار الجيش والشعب والمقاومة ولبنان العزيز.
أعطانا الإمام ولم يأخذ شيئًا، وبكل صراحة أعطتنا الجمهورية الإسلامية الإيرانية لخياراتنا ولم تأخذ منا شيئًا ولم تفرض علينا شيئًا، لعل البعض يستغرب: هل يمكن أن لا تكونوا أدوات إيران؟ نعم لسنا أداة لإيران، لأن إيران تحترم الإنسان وتحترمنا وتقدر ما نحن عليه، ولكن تلك الأدوات التي اعتادت أن تكون بيد الاستكبار لا يمكن أن تستوعب أن نكون شرفاء في خياراتنا، فإيران الشريفة ليست بحاجة إلى أدوات ، نعم هي بحاجة إلى شعوب مستضعفة تعرف مكانتها وتقف ليكون الواقفون كثر في العالم، فتربح إيران بوقفتنا لا من خلالنا، لقد ربحت من وقفتها لا من خلالنا، ليست بحاجة إلينا ولكننا بحاجة إليها لنقف ونتعلم منها وهذا فخرٌ كبير.
أما إسرائيل فهي تستطيع أن تعتدي وتهدد، ولكنها لا تستطيع أن تفرض استمرارية بقائها مع وجود شعب فلسطيني مجاهد، يضحي في الميدان للحقه وتحرير قدسه. بالاستسلام نخسر كل شيء، وبالمواجهة لدينا ما نربحه.
تُكثر إسرائيل في هذه الأيام من تهديداتها وعربدتها، لتربح بالضغط السياسي ما يوفر عليها الحروب والخسائر، ولكن زمن تأثير التهديدات والعنتريات ولَّى، فالمقاومة في أعلى جهوزيتها التي ردعت وتردع، لم تعد إسرائيل قادرة على الذهاب إلى خيار الحرب بسهولة، فالثمن كبير عليها، والهزيمة محتملة كما أول هزيمة من نوعها في تموز 2006.
المقاومة ليست سلاحًا فقط، المقاومة ثقافة، إيمان وخيار، المقاومة تصنع مستقبل أجيالنا على العزة والاستقلال، المقاومة نور متألق لا يراها الأعشى ولكنه يشعر بحرارتها، المقاومة شقت طريقها ولا عودة إلى الوراء، فمهما قلتم وصرحتم لم يعد هناك إمكانية إلاَّ أن تكون المقاومة الرمز وتقود هذه الشعوب في منطقتنا، والنصر إلى الأمام بإذن الله تعالى.
سنكون بعد الانتخابات النيابية شركاء وفاعلين في بناء الدولة، وسنقف ضد دعاة الفتنة وعدم الاستقرار وضد الفساد، وسنقدم في هذه المرحلة تجربة إضافية على تجاربنا السابقة التي تعرفونها، وإن شاء الله ننجح وإياكم في بناء الوطن الحر القوي المحرر من التبعية ومن أيادي الأعداء.