الموقف السياسي

الشيخ نعيم قاسم : زوال الاحتلال أقرب للتحقق من الاعتراف بوجود إسرائيل.

الشيخ نعيم قاسم : زوال الاحتلال أقرب للتحقق من الاعتراف بوجود إسرائيل.
الكلمة التي ألقاها نائب الأمين العام لحزب الله سماحة الشيخ نعيم قاسم في لقاء اتحاد الإذاعات والتلفزيونات الإسلامية حول القدس سُبُل مواجهة قرار ترامب حول القدس, في فندق الماريوت 3/1/2018

إن قرار ترامب يكشف الخلفية الأمريكية في احتكار رعاية التسوية، لإبقاء إسرائيل في موقع الإملاء على الفلسطينيين في المفاوضات، فلم تكن أمريكا يومًا وسيطًا نزيهًا بالمعنى السياسي وإنما كانت شرطيًا يقف فوق رأس المفاوض الفلسطيني ليقدم التنازلات واحدًا بعد الآخر.

إن قرار ترامب هو قرار العجز والضعف، لأن أمريكا ملَّت من انتظار تسوية يمكن أن تكون بالإقناع، فرأت أن لا بدَّ من فرض الاحتلال بقوة الموقف والسلاح والمال، وترامب يتخبط بدليل التهديد بقطع المساعدات عن الدول التي رفضت قراره في الأمم المتحدة وقطع المساعدات عن المفاوض الفلسطيني، ولذا أقول لكم: لا تخشوا من هذا القرار، فقرار ترامب غير قابل للتحقق بوجود الشعب الفلسطيني المجاهد يعطي فيه الكبير والصغير ليل نهار معلنًا أن فلسطين يجب أن تتحرر من البحر إلى النهر لا ينقص منها حبة تراب واحدة.

عندما كانت أمريكا بقيادة آحادية في العالم لم تتمكن من شرعنة وجود إسرائيل، وهي اليوم  أضعف ومربكة وتعاني من أزمة قيادة داخلية وعالمية، وتعاني من أزمة مصداقية، وهناك أقوياء في مقابلها وأصحاب حق ينتصرون هنا وهناك على أمريكا وعلى غيرها، من هنا لا تستطيع أمريكا في هذه المرحلة أن تحقق أحلامها.

إن القدس لن تصبح عاصمة للاحتلال بقرار أمريكي، فالقدس عاصمة أبدية لفلسطين بقرار شعبها الفلسطيني الذي لم ولن يتخلى عن فلسطين، لذا فهي عائدة إلى أهلها محرَّرة ومنصورة. وأما إسرائيل فهي تراهن على الزمن لابتلاع فلسطين قطعة قطعة ولكن الزمن لن يكون لمصلحتها مع وجود المقاومة والانتفاضة ومع استمرار حركة جهاد الشعب الفلسطيني.

أما كيفية المواجهة:

أولًا: يجب أن نركز على القدس من زاويتين، من زاوية المسؤولية ومن زاوية التحرير، القدس مسؤولية فلسطينية وعربية وإسلامية وإنسانية، وهي إسلامية ومسيحية، ومن الخطأ اعتبارها قضية  فلسطينية أو قضية عربية فقط، لأننا بذلك نصادر كل الطاقات التي يمكن أن تساهم في تحرير فلسطين. 

وأما من ناحية التحرير فالقدس تعني تحرير فلسطين وتحرير لبنان وتحرير سوريا وتحرير الأردن وتحرير المنطقة، يخطئ من يتصور أن فلسطين قضية لفلسطين، فلسطين قضية للاستقلال والتحرير والإنسانية في منطقتنا، إنْ تحررت فلسطين تحررنا في كل بلداننا، وإن بقيت محتلة لن ينعم أحدٌ من بلداننا لا باستقرار ولا باستقلال ولا بأمنٍ ولا بسياسة خاصة، ولكن عندما تتحرر فلسطين سنتحرر جميعًا وسنقطع الأيدي الأجنبية التي تريد أن تمتد إلى منطقتنا.

من هنا القضية هي قضية كل بلدان المنطقة، ولبنان معنيٌ بهذه القضية الفلسطينية، وحزب الله اتخذ قرارًا حاسمًا منذ نشأته بأن البوصلة فلسطين لأن هذه البوصلة هي التي تحرر حقيقة. بمقاومة إسرائيل نُسقط إسرائيل والاحتلال التكفيري وكل أنواع الاستكبار ونحرر فلسطين ونحرر لبنان ونحرر كل المنطقة.

 

ثانيًا: المقاومة هي الحل، والانتفاضة جزء منها, وعلينا الدعوة إلى المقاومة والانتفاضة والدفاع عن هذا الخيار سياسيًا وثقافيًا وتربويًا وعسكريًا، والترويج لها كمقاومة كمنهج لا بديل عنه.

إن التسوية أو عملية السلام هي خدعة وتضليل لتنظيم كيان الدولة الإسرائيلية والاعتراف بحدودها، إسرائيل لا تريد قطعة من فلسطين هي تريد كل فلسطين، وبالتالي علينا أن نكون بالمرصاد وأن لا نستبدل المقاومة بأي شيءٍ آخر، هؤلاء الذين يدعون إلى المفاوضات جربوا حظهم مرارًا وتكرارًا ولكنهم فشلوا فشلًا ذريعًا، نحن ندعو إلى إيقاف كل شكل من أشكال المفاوضات، وندعو إلى إيقاف كل شكلٍ من أشكال التعاون الأمني مع إسرائيل ولتصنع ما تشاء، ماذا تستطيع إسرائيل؟ هي تقوم بكل الاعتداءات، وهي تفعل ما تريد، إذًا ما الذي سيوقفها، المقاومة وحدها هي التي توقف إسرائيل، والانتفاضة وحدها هي التي تحقق هذا الانجاز.

أمامنا التجربة الغنية الموجودة في لبنان بين القرار 425 والمقاومة، 22 سنة من 1978 إلى سنة 2000، والبعض يتحدث عن دبلوماسية القرار 425 الذي يطالب إسرائيل بالخروج الكامل من لبنان، ولم يتزحزح هذا القرار، ولكن عندما انطلقت طلائع المقاومة وعملت بهدوءٍ وبصبر وتضحيات، وقدمت الشهداء تحرر لبنان من إسرائيل بالمقاومة ولم يتحرر شبرٌ واحد بالقرار السياسي 425، ادفنوا "أوسلو" تربحوا فلسطين وتربحوا شعبكم.

إن المقاومة لا تقاس باللحظة ولا بالأيام والأسابيع والأشهر ولا بالسنوات، لا تنظروا على الشعب الفلسطيني، دعوه يتصرف بحسب إمكاناته وقدراته وهو الأعلم، واتركوا له فرصة أن يختار أساليب العمل المقاوم، لأنه يحمل القضية حقًا ولا يحتاج إلى توجيهات.إن المقاومة تُقاس بحضورها واستمرارها، بحضورها في وجدان الشعب الفلسطيني ومقاومته وتربية أطفاله وهذا ما يجعلها مستمرة ويأتي القطاف في الوقت المناسب، وما النصر إلا من عند الله.

وهنا أتمنى على وسائل الإعلام أن لا يزهدوا بأي عملٍ مقاوم مهما كان صغيرًا ومحدودًا، وأن لا تبدأ التنظيرات بالمقارنة بين مقاومة اليوم الأول ومقاومة الثاني ومقاومة اليوم الثالث، فالبعض يتصدى ليناقش: هل يمكن أن تستمر المقاومة أم لا؟ ودليله كيف تتحرك الانتفاضة بين اليوم والأمس، هذا خطأ كبير. أذكر بعد سنة 2000، بدأ البعض يكتب : هل نام حزب الله عن المقاومة لأنه لم يطلق طلقة واحدة خلال سنة أو سنتين أو ثلاثة حتى أننا بين سنة 200 و 2006 كنا نقول عن بعض العمليات أنها عمليات تذكيرية، حتى يتذكر الناس أن المقاومة موجودة، ظنوا أن المقاومة هي إطلاق نار دائم، لا، المقاومة حياة في قلب شعب يتحرك ويحرك الأرض تحت أقدام الصهاينة حتى لا يستقروا وهذا موجود في فلسطين وسيستمر، أقلعوا عن مقارنة اليوم بالأمس في حركة الانتفاضة لأن المهم أنها موجودة في أرحام النساء وفي بناء الشعب الفلسطيني وهذا أمرٌ مهم.

ثالثًا: نحن واثقون بنصر الله تعالى، ومن المؤكد أن إسرائيل لن تبقى أمام حق الشعب الفلسطيني وأمام حق القدس في أن تكون محررة، وهذه هي السنن الإلهية موجودة أمامنا،  كم اعتدى من شعوب وقوى وحكومات على القدس عبر التاريخ، بعضهم بقي معتديُا لعشرات السنين، وبعضهم الآخر تجاوز المئة، ولكن فلسطين تحرَّرت في نهاية المطاف لأن الاحتلال استثناء وأصحاب الأرض هو الأصل وهم الذين يبقون. وأقول قاعدة نحن نؤمن بها كحزب الله إيمانًا مطلقًا : إنَّ زوال الاحتلال أقرب أقرب للتحقق من الاعتراف بوجود إسرائيل، وأسهل لتحقق من بناء الكيان الإسرائيلي، وهذا بحسب الوقائع، على كل حال قال لنا جل وعلا في القرآن الكريم "لَأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ * لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ".  

إن دول العالم قد عملت على دعم الإرهاب التكفيري ومع ذلك محور المقاومة حرَّر منطقتنا من هذا الإرهاب التكفيري، وكذلك اليوم دول العالم تدعم الاحتلال الإسرائيلي ولكن محور المقاومة سيحرر إن شاء الله تعالى، إنَّ نجاح المواجهة مع إسرائيل، وإنهاء دولة داعش، يسرِّع تحرير فلسطين، سجلوا انتصارات المقاومة في لبنان في غزة على إسرائيل كخطوات على طريق التحرير، وسجلوا انتصار محور المقاومة على داعش والتكفيريين كخطوة من خطوات تحرير فلسطين. 

رابعًا: علينا المجاهرة والافتخار بوحدة محور المقاومة، وعلى رأسه إيران، نعم إيران تقود محور المقاومة وتدعمه وهذا فخرٌ نعلنه جهارًا أمام العالم، فقد بذلت إيران الكثير الكثير  وتحملت لنصرة شعوب المنطقة ومقاومتها، وهم اليوم يحاولون كسرها والاعتداء عليها ولكن انظروا إلى المشهدين في إيران وقارنوا بينهما، هناك مجموعات صغيرة تخرب الممتلكات العامة ويتبناها المستكبرون في المقابل هناك تظاهرات مليونية تؤيد الجمهورية الإسلامية، وتأتمر بقائدها، وتعمل على حماية هذه الدولة المباركة، من يرى هاتين الصورتين يطمئن تمامًا أن إيران بخير وأنها ستنتصر مجدَّدًا في المحنة، وكذلك ستكون دائمًا إلى جانب المقاومة الفلسطينية وكل المقاومات التي تعمل في منطقتنا.

هم يقولون لنا: امتنعوا عن العلاقة مع إيران وتحل مشكلتكم في المنطقة، ليضعفونا، فلا هم يقدموا لنا من أجل التحرير، ولا يريدوننا أن نتعاون مع إيران من أجل التحرير! بينما تدعم أمريكا إسرائيل بالمليارات والأسلحة والإمكانات وبكل شيء، يجتمعون على باطلهم ويريدون تفرقتنا عن حقنا، أدعو كل الفصائل الفلسطينية وكل فصائل المقاومة في منطقتنا أن لا تخشى في  الله لومة لائم، ولتصرح ليل نهار بأنها مع محور المقاومة ومع إيران فإنها بذلك تربح وتكسب على الأقل يدب الرعب في العدو بمجرد ذكر اسم إيران فكيف إذا كان مع الاسم قطران يساعد في عملية المقاومة.

هنا يجب أن نؤكد أن لا مداراة في الحق بالأرض وطرد الاحتلال، نحن لا نداري أحدًا، يقولون لنا: لا تتوحدوا، علينا أن نتوحد مهما كانت التهمة، اتهمونا بالإرهاب ولكن شعبنا قال بأننا مقاومون ولذلك استمرينا بشعبنا. ويقولون لنا: لا تدعموا بعضكم بعضًا وليهتم كل فريق بشؤونه, ليفرقونا ويستفردوا بنا ضعفاء، ولكننا يجب أن نبقى معًا. بكل وضوح علينا المجاهرة والافتخار بوحدة محور المقاومة والاستمرار في هذا الاتجاه لننتصر.

خامسًا وأخيرًا: من الضروري أن نقوم بالتعبئة الثقافية والإعلامية والسياسية وكل أنواع التعبئة، وأن نكشف الحقائق حول الاحتلال وخطره وتآمر الاستكبار الدولي، وتبيان تاريخ فلسطين والقدس، ليتعرف الجميع وخاصة الجيل الجديد في المنطقة والعالم على هذه الحقيقة.

وهنا، وقد يُفاجأ البعض، علينا أن نطالب الحكام العرب أن يوقفوا التطبيع وأن يقفلوا السفارات حتى ولو لم يسمعوا لنا، يجب أن نقول لهم كل يوم: أنتم ترتكبون خطيئة كبيرة، لا تريحوهم من سماع صدى آثامهم في العلاقة مع إسرائيل، فهم مسؤولون وعلى الأقل أن يتحملوا المسؤولية وأن يعرف شعبهم وأن نقلقهم في الليل بأنهم يحملون خطيئة كبرى أنهم مع إسرائيل ومع أمريكا. وكذلك علينا أن نطالب دول العالم فرنسا وبريطانيا وأوروبا وكل المنطقة: أنتم مسؤولون عن المجازر التي تحصل داخل فلسطين لأنكم لم تحركوا ساكنًا لا في مجلس الأمن ولا في الأمم المتحدة وفي الميدان على الأرض، حتى ولو كانت آراؤهم تتفاوت مع آرائنا، يجب أن يفهموا أنهم مصرون وأنهم مسؤولون، ليعرف شعبنا وأيضًا ليتحملوا المسؤولية، يجب أن يسمع العالم دائمًا ويوميًا الصراخ الفلسطيني، وأن يرى يوميًا ودائمًا جرائم إسرائيل، وأن يشعر حكام العرب أن الخطر على عروشهم أكبر بكثير مما يتصورون، وأن العرش يسقط في لحظة واحدة بينما ينخر السوس فيه خلال كل فترة الظلم والإيذاء والانحراف عن العمل.