السعودية اليوم تبرز كجهة معطلة لحقوق الإنسان وحرية الرأي وقامعة لحركات التحرر
الكلمة التي ألقاها نائب الأمين العام لحزب الله سماحة الشيخ نعيم قاسم في الذكرى السنوية الأولى لاستشهاد الشيخ نمر باقر النمر، في قاعة الجنان 3/12/2017م.
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وأعز المرسلين حبيبنا وقائدنا أبي القاسم محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين وصحبه الأبرار المنتجبين، السلام عليكم أيها الحفل الكريم ورحمة الله وبركاته
جمعنا الشيخ الشهيد نمر باقر النمر، وهو علم من أعلام الجهاد في الجزيرة العربية، نشر دعوته عبر الأثير وفي العالم، فعرفناه وكأنه بيننا وكواحد منا، قال تعالى: "وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ".
نور شهيدنا المبارك، نورٌ مستقرٌ في الدنيا والآخرة، ومنتشرٌ في كل بقاع الأرض، الشهيد السعيد جري في قول الحق، شجاعٌ في نصرة المظلومين، هو داعيةٌ إلى الله تعالى لا يخشى في الله لومة لائم، حمل قضايا الناس في السعودية وقضايا الأمة في فلسطين والبحرين ولبنان العراق وسوريا، كان ثابت الخطى ويرى الطريق بوضوح وثقة ويقين.
خافوا منه لأنه نور يبدد الظلام، وقتلوه لأنه صاحب فكر ورأي وموقف، حقًا كما قال شيخ الشهداء الشيخ راغب حرب(رض)" الموقف سلاح"، وهو مدججٌ بسلاح الموقف، فلم يتمكنوا إلا أن يخضعوا لهذه القدرة العظيمة التي امتلكها فقتلوه ليتخلصوا من سلاح لا يمكن إيقافه وهو النور الذي يخرق الحجب فيصل إلى الآفاق فيولع الثورة وينقذ الأمة ويحيي الحركة، ولكنهم بقتله أحيوه مجددًا وأثبتوا لنا أن الموت لنا عادة وكرامتنا من الله الشهادة، فهنيئًا لك أيها الشهيد السعيد، ونحن على دربك مستمرون إن شاء الله تعالى.
ولد الشهيد في سنة 1959 في منطقة العوامية إحدى مدن محافظة القطيف في المنطقة الشرقية في السعودية، بقي قيد الاعتقال من شهر تموز 2012 إلى حين شهادته في 2 كانون الثاني 2016، يعني سجن لمدة ثلاث سنوات وأربعة أشهر، خافوه حتى في سجنه، ومن ينظر إلى كيفية الاعتقال يرى أنه اعتقال الثعلب الذي يخاف من الأسد الغضنفر الواقف في الميدان، فقد واجهوه في الشارع وهو في سيارته وأطلقوا عليه أربع رصاصات وأصابوه حتى أغمي عليه، ولم يكن مسلحًا إلا بالإيمان واقتادوه إلى السجن وهو على هذه الحالة.
ما هو مضحك ومبكٍ في آنٍ معًا أن عدد التهم التي وجهت إليه ثلاث وثلاثين تهمة، ما ساعدهم على ذلك هو اللغة العربية: صرح، قال، عمل، انتقد، تنفس، كل المفردات في اللغة العربية التي فيها قول ونطق وحركة وعمل استخدموها لتصبح عدد التهم 33 تهمة ولكنها جميعًا في إطار كلمة الحق. قال كلمة الحق ولكنهم لم يتحملوها.
وافت المنية زوجته وهو في السجن وهي مرضت بالسرطان، كان معروفًا بكثرة تصديه وسُجل له أكثر من 2000 محاضرة تقريبًا، وكان مهتمًا بالنشاط الثقافي والسياسي وإمامة الجماعة والجمعة، وقد أنشأ حوزة، وشكل في سنة 2008 جبهة المعارضة الرشيدة لمعارضة الفساد الاجتماعي والكهنوت الديني والظلم السياسي القابع على المواطنين في المملكة العربية السعودية، هذا الرجل هو مشعل في الحق، وهم لا يمتلكون أي عنوان لمواجهته، السعودية التي لا تتحمل كلمة الحق فكيف تعمل له، "فَإِنَّه مَنِ اسْتَثْقَلَ الْحَقَّ أَنْ يُقَالَ لَه, أَوِ الْعَدْلَ أَنْ يُعْرَضَ عَلَيْه,كَانَ الْعَمَلُ بِهِمَا أَثْقَلَ عَلَيْه, فَلَا تَكُفُّوا عَنْ مَقَالَةٍ بِحَقٍّ, أَوْ مَشُورَةٍ بِعَدْلٍ" كما قال أمير المؤمنين علي(ع).
السعودية اليوم تبرز كجهة معطلة لحقوق الإنسان وحرية الرأي وقامعة لحركات التحرر، وهي تقف بالمرصاد أمام أي صوت يمكن أن يعطي نور الإسلام الحق الإسلام الحق لأنه يفضحهم أمام العالم، واليوم مع كل ما عملته السعودية نور الإسلام براق بالمقاومة الشريفة وإيران وكل الذين يعملون للإسلام، لسنا خائفين لا من قمعهم ولا من قتلهم ولا من إساءاتهم فنور الله يسطع غصبًا عنهم وكلمتهم هي السفلى وكلمة الله هي العليا.
إذا أردتم أن تتعرفوا على هذا القلب النوراني أنظروا إلى رسالته إلى أمه وهو في السجن في اللحظات الأخيرة بعد أن أعلم بإعدامه، قال : "إلى أمي الصابرة (أم جعفر): الحمد الله على كل حال، أمي اشكري الله على كل ما يُكتب، تقدير الله خير من تقديرنا، واختياره خير من اختيارنا، نحن نختار شيئًا ولكن اختيار الله هو الأفضل لنا، ونحن نطلب شيئًا ونقول لله اختر لنا ما فيه خير عندك، الله سبحانه وتعالى له الأمر وله الخلق". ما هذا الرضا العظيم الذي يعبِّر عنه الشهيد المجاهد الشيخ نمر النمر.
عندما تطلعون على حيثيات مواقفه تجدونها متنوعة لكنها في دائرة واحدة هي دائرة محور المقاومة، ، مما قاله عن القدس: لتكثيف الجهود والطاقات لإحياء أسبوع يختص بقضية القدس ومظلومية فلسطين الأبية وله مقالات وأحاديث كثيرة يدعو فيها لفلسطين، وهو يقول أيضًا: نحن سنبقى الصادقين مع حزب الله ومع حماس ومع الجهاد ومع إيران ومع المجاهدين في كل مكان، ندافع عن الإسلام، وندافع عن قيم السماء، لا نهاب أمريكا ولا أذيالها ولا عملائها ولا هذه الأصوات الخانعة، سنبقى ندافع عن مقدساتنا وقيمنا.
وفي حديثه عن حزب الله يقول: حركة حزب الله المقاومة الإسلامية ليست دولة، ولا تملك إمكانات دولة لا طائرات ولا دبابات، ولكن تملك إرادة إيمانية شجاعة علي(ع) وتضحية الحسين(ع) لذلك استطاعت أن تهزم الكيان الصهيوني.
ونُقل أنه للدفاع عن نفسه طلب مرات أن يعطوه الأوراق والقلم وبعد ذلك حصل عليها، فكتب مرافعة حوالى مئة صفحة وهو يدافع مقابل التهم التي قالوها عنه، هذه المرافعة تسربت بطريقة معينة سميت "مرافعة كرامة" وهي منشورة بنسبة من النسب، حيث يقول: ولا بدَّ أن نقول كفى، نعم كفى استبدادًا وظلمًا وجورًا. ثم يقول: لقد أمست قوات عار الجزيرة ودرع الجزيرة لأنها بدل أن تذهب لتحرير القدس أو صد العدوان الخارجي انقضت على أهلنا في البحرين مستسبعة عليه تفترسه وكأنها حررت فلسطين.
هذا الموقف النقي الذي نراه في طيات مواقف وكلمات الشيخ النمر نفهم معه لماذا قُتِل، قُتل لأنه صاحب موقف، قُتِل لأنه يعلن الحق، قٌتِل لأنه في جبهة المقاومة ضد العدو الإسرائيلي والاستكبار، قُتِل لأنه يعبِّر عن صوت الإسلام الحق، قُتِل لأنه لا يرضى بالذل والهوان ولا بالظلم، هو تربى على يد محمد وعلي والحسين ولا يمكن لمن تربى على أيدي هؤلاء إلا أن يكون مرفوع الرأس ولو واجهته الدبابات والطائرات والعالم، هو مع الله فكان الله معه، وهنا انتصر الشيخ نمر باقر النمر وانهزمت السعودية شر هزيمة بإذن الله تعالى، نوره يبقى وظلامهم يتبدد.
المشكلة اليوم أننا نواجه قضية معقدة في منطقتنا اسمها السعودية، هم ينزعجون عندما نتكلم عنهم علمًا أننا لا نتكلم إلا بتوصيف أعمالهم، هذه السعودية اليوم هي رأس حربة من خلال الظلم الذي تمارسه بشكل يومي وهذا ما يشمل ثلاثة محاور أساسية:
أولًا: السعودية تمارس الاستبداد ي داخل المملكة، والتسلط على دول المنطقة، وتريد أن تقمع كل ما يتحرك مخالفًا لسلطتها وهيمنتها، وتريد أن تستبد استبدادًا عشائريًا، من أجل أن تتحكم بكل المفاصل فتمنع الرأي الآخر ولا تتحمل كلمة الحق في أي مكان منطقتنا.
المحور الثاني: تستخدم السعودية الاتجاه الوهابي التكفيري، وتريده بديلًا إسلاميًا، ليكون الاتجاه الوهابي هو العنوان الذي تقوده السعودية، ويحمل كل الإساءات والأضرار بالشرع الإسلامي وذلك من خلال القتل والقمع والتدمير.
ذكر سفير أمريكا في جنوب أفريقيا سنة 2004 في تقرير معلن، يعني بعد انتصار الثورة الإسلامية بـ 25 سنة، يقول: أنه عندما انتصر إسلام الخميني (حسب تعبيرهم) فكرنا في وكالة الاستخبارات الأمريكية مع قيادة السعودية كيف نواجهه؟ فكانت للمقترحات تدور حول ضرورة أن نطرح إسلامًا آخر هو الإسلام الوهابي الذي يتمكن من دغدغة مشاعر السنة في العالم الإسلامي فيستفزون من إسلام الإمام الخميني فتكون المواجهة غير متكافئة لمصلحة الوهابية وتستفيد أمريكا من هذا الاتجاه. بناء عليه كان مجموع المبلغ المالي المصروف في أمريكا وأوروبا 84 مليار دولار خلال 25 سنة على إقامة المساجد والمدارس والكليات والاجتماعيات من أجل إحضار الإسلام الذي يواجه الإسلام الخميني بمعنى آخر من أجل إحضار الانحراف الذي يواجه إسلام محمد وعلي والحسين(عم). ولكنهم خسئوا، يستطيع الإنسان أن يدعي أنه يحمل الإسلام الحق، ولكن الإسلام كشَّاف يفضح المتآمرين والمتجسسين والمنحرفين ويبقى نور المجاهدين والشهداء هو الذي يصنع باسم لا إله إلا الله محمد رسول الله.
المحور الثالث الذي تعمل عليه السعودية ليل نهار، خطوات التطبيع مع إسرائيل لإنهاء القضية الفلسطينية، كي لا يبقى قضية فلسطينية مركزية للعرب وللمسلمين، لقد تحولت السعودية وخاصة في العقد الأخير إلى أداة تخريب للمنطقة، راجعوا سجلها: عملت ابتداءًا من سنة 2011 على تدمير سوريا، واستقدام التكفيريين من كل أنحاء العالم، وبذل الأموال من حساب وتسخير المواقع السياسية والدولية لمصلحة ضرب الاتجاه المقاوم في سوريا، وعطلت استقرار العراق، فحاولت أن تدخل على العنوان المذهبي وتجري التحريض ودفع الأموال التي تساعد على تخريب الواقع العراقي وإيجاد التفجيرات المتنقلة، وأدخلت درع الجزيرة كجيش احتلال لحرمان الشعب البحريني من حقه في الرأي وفي المشاركة السياسية، وارتكبت أكبر جريمة معاصرة في محاولة القضاء على اليمن وشعبه بتدمير المدارس والبيوت وقتل الأطفال والنساء والتجويع وكل هذه الأعمال الشنيعة التي تدعي السعودية أنها جزء من أمنها، وما علاقتكم بما يختاره اليمنيون! اتركوهم لخياراتهم. والسعودية هي التي أخرت في لبنان انتخاب الرئيس لسنتين ونصف، وعطَّلت فيه المؤسسات وما استقر الأمر إلا عندما رفعت يدها قليلًا مضطرة لذلك لا مكرمة منها.
هذه السعودية أزمة، الزمرة الحاكمة هناك تكرس النظام القبلي الذي يتعامل مع الناس كعبيد لها، راجعوا كل سجل السعودية فهي ما دخلت في قضية أو بلد إلاَّ وخربته، على السعودية أن تتعظ من الهزائم المتتالية " وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ"، للأسف اختاروا هذه الطريق. لاحظوا: التداعيات الاقتصادية والاجتماعية في داخل السعودية، وفي هذه السنوات الأخيرة تعاني السعودية من عجز في ميزانها التجاري، وتستهلك عشرات ومئات المليارات لتسد عجزها، كل هذا بسبب تدخلاتها وأموالها التي صرفتها في محاولة العبث في واقع المنطقة بأسرها. أضف إلى ذلك: ستدفع السعودية أثمانًا باهظة بيد الإرهاب التكفيري الذي انقلب على مشغليه وداعميه ولن تسلم منه والوقت قريب، لأن هؤلاء جماعة لا يمكن أن يعمل الإنسان معهم ولا يمكن أن يطمئن لهم.
نسأل الله أن تستيقظ السعودية قبل فوات الآوان، في اعتقادنا لا زالت الفرصة متاحة لتعيد النظر في مواقفها داخليًا في حرية الرأي الآخر، والمشاركة في السلطة، وخارجيًا في إيقاف الاندفاع باتجاه إسرائيل، ودعم القضية الفلسطينية وقضايا العرب والمسلمين، والتفاهم مع إيران، فإن في ذلك الشرف والكرامة والربح الحقيقي للجميع، وإلا هذا المسار لن يوصل السعودية إلى أهدافها، ودماء الشهيد النمر ستبقى حاضرة لإسقاط عروش الظلمة، وسنراها ساقطة قريبًا بإذن الله تعالى.