بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف لخلق مولانا وحبيبنا وقائدنا أبي القاسم محمد(ص) وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وصحبه الأبرار المنتجبين. وعلى جميع الأنبياء والصالحين إلى قيام يوم الدين.
السلام عليكم أيها الحفل الكريم ورحمة الله وبركاته.
نلتقي اليوم في أجواء رحيل الإمام الخميني(قده)، وهو القائد الرباني والعالم الملهم الذي ألمَّ بشؤون الناس وبشؤون العصر، وأستطاع أن يرفع المعنويات ويوجه الأمة نحو صلاحها وفلاحها، هو النموذج الذي حقَّق حلم الأنبياء، هو النموذج الإنساني الذي لامس الكمال، وجعلنا نعيش أجواء الطهر ليكون مسارنا في هذه الحياة مسارًا يصل إلى الآفاق فتنمكن من أن نعيش حياة سعيدة موفقة منصورة في طاعة الله تعالى ملتزمين بأحكامه وشريعته.
إنه الإمام الخميني(قده) الذي غيَّر مسار العالم بثورته وجهاده، ويصح أن نقول: بأن ما بعد ثورة الإمام الخميني(قده) يختلف تمامًا عما قبل هذه الثورة، كل المنطقة تغيرت، والعالم تأثر بهذه المتغيرات، كل الدول انعكست هذه الثورة عليها من خلال شعوبها وواقعها فتغيرت الكثير من المعالم، كل حالة من حالات المعاناة التي كنا نعيشها تغيرت وتبدلت فاستبدلنا الإحباط بالمعنويات، والانكسار بالانتصار، والهزيمة بالعزة، وإذ بنا ننتقل في منطقتنا من حال إلى حال، ببركة هذه الثورة الإسلامية المباركة على يد روح الله الخميني(قده).
استطاع الإمام(قده) أن يرسم معالم مهمة بقيت ثابتة وستبقى إن شاء الله تعالى، هي التي أثرت في هذا التغيير وأذكر أبرز هذه المعالم وهي أربعة:
أولًا: قدَّم النموذج الإسلامي الأصيل فأعاد للإسلام حياته في عصرنا، أزاح عنه أولئك الشياطين الذين شوهوه وأساؤوا إليه وحكموا به زورًا وعدوانًا، وأبعدوه عن مسرح الحياة وأضافوا إليه ما ليس فيه وحوَّلوه عما كان عليه عندما نزل على محمد(ص)، أعاد الإمام للإسلام الحياة، فإذ بنا نرى إسلامًا يضج بالرحمة وبالحالة الشعبية التي تختاره بملء إرادتها، وبمواكبة العصر بكل متطلباته، وبالأخلاق في السياسة والاجتماع والجهاد، وبمواجهة المنكرات وإثبات الحضور في مواجهة التحديات.
ثانيًا: قدَّم نموذجًا عن استقلال إيران عن التبعية الأمريكية وعن كل تبعية أخرى ليعرض أمام عالمنا الإسلامي بشكل عام نموذج الدولة التي تحترم حدودها الجغرافية والسياسة والفكرية، وتكون مستقلة لا تابعة لأحد مهما علا شأنه فهي دولة لا شرقية ولا غربية.
ثالثًا: أعطى الأولوية لتحرير فلسطين، ووصف إسرائيل بالوصف الصحيح : هي غدة سرطانية، والغدة لا بدَّ من اقتلاعها، تحدث عنها من دون قفازات ومن دون حسابات بائدة لا قيمة لها، وأعلن دعمًا لكل حركات المقاومة التي تريد تحرير الأرض، مشرعًا التضحية بالمال والنفس قربة إلى الله تعالى لإخراج إسرائيل من منطقتنا، وإعادة فلسطين، أو فلنقل: لإخراج الاستبداد والاستعمار والاحتكار وإعادة بلداننا جميعًا إلينا، لأنه عندما تعود فلسطين تعود بلداننا إلينا ونعود إلى كرامتنا وعزتنا هكذا أراد الإمام الخميني(قده).
رابعًا: مدَّ اليد للوحدة الإسلامية، كي لا يكون هناك موانع بين مذاهب المسلمين لأن القضايا التي يعانون منها واحدة ولأنهم مأمورون بالوحدة "وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ"، وقام بإجراءات عملية وجدية للوصول إلى هذا الهدف، ومد اليد إلى كل من يعنيهم الأمر في العالم الإسلامي لتكريس هذا العنوان وهذا الاتجاه، وهذه مكرمة تسجل بشكل واضح.
إمامنا الخميني(قده) طرح هذه العناوين الأربعة التي أحدثت تغييرًا حقيقيًا في منطقتنا ونقلتنا من حال إلى حال.
حزب الله نشأ في لبنان كمشروع إسلامي، والمشروع الإسلامي يحتاج إلى قيادة، والقيادة لا تعرف مكانًا ولا زمانًا، فكان الإمام الخميني(قده) هو الولي الذي بايعناه على قاعدة القيادة التي توصلنا إلى محمد(ص) وتنقلنا بعد ذلك إلى قيادة الإمام المهدي (عج)، هذه رؤيتنا وقد لا تعجب البعض، وقد يراها محاولة من محاولات العودة إلى التاريخ أو استباق الزمن، ولكننا آمنا بها فكان حزب الله مشروعنا وهو خيارنا الفكري والجهادي والسياسي وهو الذي تصدى ليمثل الناس الذي يؤمنون بهذه المسيرة.
ماذا فعلت إيران؟ إيران دعمت خيارنا، إيران دعمت مقاومتنا لتحرير الأرض، إيران دعمتنا لنكون أقوياء فحمينا ساحتنا، إيران أعطتنا ولم تأخذ منا شيئًا، لكن من الطبيعي أنه إذا ربحنا ستربح، وإذا نجحنا ستنجح، لأن المشروع واحد، الخير أينما كان على الأرض يربح أنصاره ولو كانوا في آخر المعمورة، والشر أينما كان على الأرض يعطي لجماعته من نتائجه السيئة ما يغضبهم ولو كانوا في أعماق البحار،ولذا كنا دائمًا نقول: نعم نحن مع إيران ومع هذا المشروع، ومن اعتبر أنه يتهمنا وقد ضبطنا بالجرم المشهود نقول له: لقد قلت ما رأيته بشكل واضح وليكن معلومًا للجميع نحن مع إيران اليوم وغدًا، مع الإمام الخميني ومع الإمام الخامنئي ومع سماحة السيد حسن نصر الله مع كل من يقود نحو مسيرة الحق.
هل المشكلة أننا أثرنا على الوضع في لبنان؟ بالله عليكم هل كنتم تتصورون حركة إسلامية مؤمنة ملتزمة لا تقبل أن تحيد عن شرع الله قيد أنملة تتمكن من أن تبني تحالفات واسعة مع أطراف يخالفونها في المنطلق الفكري ويتفقون معها في الإطار السياسي، فكان حزب الله حليفًا للتيار الوطني الحر وحليفًا لقوى وطنية وقومية وعلمانية، وكنا معًا جميعًا تحت شعار المقاومة، لا يؤثر إيماننا في إبعادهم بل إيماننا هو الذي قربنا إليهم وقربنا منهم، فكنا باسم الله مقاومة تسير مع كل هؤلاء لتتضح البوصلة باتجاه فلسطين، ونثبت بالدم والعطاء أن ارتباطنا بالولاية جعلنا مع الوطن ومع العرب ومع المسلمين.
لذا خيارنا السياسي وطني وعروبي وإسلامي، لسنا معقدين من الألفاظ لأنها في خدمتنا ولسنا في خدمة الألفاظ، ولسنا معقدين من القوالب الجاهزة لأننا صممنا أن نصنع قالبنا لا أن يُصنع لنا لنغرف في داخله، أعلم أن العالم يقبل المقاومة ولكن المقاومة المدجنة، التي تقاتل حينًا وتساوم حينًا آخر، وتشتريها الدول وتبيعها الدول الأخرى، لكننا مقاومة لا تباع ولا تشترى، تعمل ليل نهار لتبقى في الساحة، وستبقى حيث يجب أن تكون، ستكون هذه المقاومة حدودنا العزة وتحرير الأرض والكرامة وليست لنا أي حدودٍ جغرافية.
هل هذا يضر ببلدنا؟ ومن حرر هذا البلد! هل هذا يضر بإخواننا؟ ومن آذى إخواننا في الوطن! هل هذا يضر بالمشروع في المنطقة؟ وأي مشروعٍ نريده في المنطقة! نريد مشروع الذبح، أو العواصف المتنقلة أو مشروع إسرائيل؟ نحن نريد مشروع الحرية والكرامة. أيها المعترضون المجبورون على بعض التصاريح فاحتجوا بنا أننا عصينا عليهم فتكونوا بذلك بذلك قد أخذتم من الخير الذي أخذناه لأن الخير يتسع لنا ولكم بدل أن تكونوا في أقفاص العرب وإسرائيل تدفعون أثمانًا دون أن تتلقوا شيئًا مقابل هذه الأثمان.
مشروعنا المقاوم يحضنه شرفاء الأمة على رأسه الإمام موسى الصدر(أعاده الله سالمًا)، وعلى رأسه الشهيد السيد عباس الموسوي(رض)، على رأسه الشيخ راغب حرب(رض) والحاج عماد مغنية، كل الأشراف والمجاهدين والشهداء والعلماء وكل الأتقياء والعاملين، مشروعنا يضم الأطفال الذين لا يعرفون شيئًا من هذه الحياة ولكنهم يحبون الله والمقاومة، فهم أخذوا مباشرة من الخير العميم للمقاومة التي يشع بين الناس في كل يوم ولكن أدع الله تعالى لمن أعمى الله قلوبهم أن يفتح على قلوبهم ليروا هذا النور، فوالله هو خيرٌ لهم ولنا جميعًا.
التكفيريون هم مشروع أمريكي إسرائيلي لتشويه صورة الإسلام وتمزيق المنطقة وضرب مشروع المقاومة، عندما نواجه الإرهاب التكفيري نواجهه كجزء من مواجهة الإرهاب الإسرائيلي، يعني أننا في مواجهة الإرهاب التكفيري مقاومة كما نحن في مواجهة الإرهاب الإسرائيلي مقاومة، وكل من لفّ لف الإرهاب الإسرائيلي سنكون في مواجهته مقاومة إذا نزل إلى الميدان وأراد أم يواجهنا، عجيب أمرهم: القلمون فيها مشكلة وجرود عرسال تؤدي إلى فتنىة! فهل نقول لمن يطلق علينا النار بأن الحكومة اللبنانية وضعت حدودًا جغرافية وباسم الوطن لن نرد عليك فغدًا الله تعالى ينتقم لنا!؟ لن نقوم بهذا الأمر، نحن سننتقم وغدًا رب العالمين أيضًا ينتقم، فالله تعالى كلفنا أن ننتقم قبل أن ينتقم.
نحن سهلّنا كل الطرق من أجل أن يكون هناك حلول لمواجهة هؤلاء التكفيريين، وساهمنا مع الدولة اللبنانية في كل إجراءاتها وكنا لها خير معين ولا زلنا، ونحن مع كل الوسائل التي يمكن أن يتبعها المعنيون من أجل إنهاء هذا الاعتداء والاحتلال التكفيري، والحقيقة هو إرهاب على الجميع، الإرهاب التكفيري هو إرهاب ضد السنة قبل الشيعة، لأن هؤلاء لا يطيقون بعضهم، ولذلك هذا الإرهاب التكفيري هو ضد الإنسان مسلم أو مسيحي، سني أو شيعي، عربي أو غربي، سعودي أو أمريكي ولا يعترفون بأحد، هذا الإرهاب ليس مقبولًا، وبالتالي كل من يعتبرهم ثوارًا أو مظلومين أو ردة فعل، هو يساعدهم من حيث يدري أو لا يدري. لماذا تقبلون بقاء الإرهاب التكفيري فقط حتى لا يربح حزب الله عليهم! هذا ظلم، وتتحدثون عن الفتنة ليل نهار حتى أن البعض يفتش عنها في الزواريب وفي الأماكن المختلفة، فعادة الذي يسرِّع الفتنة هو الأقوى، ومن موقعنا الأقوى نحن نئد الفتنة في كل يوم ولا نريدها ولا نسمح لها سنقاتلها ولن نقاتلكم.
هذا المشروع المقاوم هو مشرف حيثما كان، وهو مقابل القتلة والمجرمين، سواء قتلوا بالطائرات أو بالسكاكين ما الفرق، من يبيد البشر ويدمر الحجر وينهي الحياة لا فرق إذا كان بالسلاح الأبيض أو بالسلاح الأسود كلهم واحد، سنقوم بدورنا المقاوم حيث يتطلب ذلك. هل يحق للعالم أن ينشأ تحالفًا دوليًا يجتمع على الباطل ويتآمر على فلسطين وعلى اليمن وعلى العراق وعلى سوريا ولا يحق لنا نحن أصحاب الحق والأرض وأصحاب المشروع أن نتحالف فيما بيننا؟!
هؤلاء المستضعفون وقوى المقاومة من حقهم أن يتحالفوا وهو حقٌ مشروع، ولن نواجه متفرقين كي لا نُستفرد، وسنستمر إن شاء الله تعالى بتوجيه وإلهامٍ من الإمام الخميني(قده) وعلى خطاه الإمام الخامنئي(دام حفظه) لأننا نريد النور، وهؤلاء هم كشاف النور، نحن بحاجة إلى هذا الكشاف لنصل إلى طاعة الله ومصلحة الإنسان، وإن شاء الله تتبلور الأمور يومًا بعد يوم ويكون النصر حليفنا "وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ"، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.