25/2/2003
يُعقد هذا اللقاء في فترة حساسة جداً من تاريخ أمتنا، حيث الغزو الأمريكي يقف على الأبواب من أجل تطويع هذه المنطقة بقوة السلاح، بعد أن عجز عن تطويعها بالأساليب المختلفة، وأمام هذا التحدي لا بدَّ لنا من وقفة شريفة وشجاعة نستطيع معها أن نسجل خطوة أساسية تؤسس للمستقبل.
الاحتلال العسكري الأمريكي القادم على منطقتنا من بوابة العراق بشكل أساس هو دليل الإفلاس والفشل في الاحتلال الثقافي والسياسي والاقتصادي، ولو استطاعت أمريكا أن تصل إلى أهدافها من خلال الاحتلالات المختلفة لما وصلت إلى الاحتلال العسكري، وقد حاولت أن تغزونا بمفاهيمها وقواعدها لتشكل مقياساً للمنظومة الحضارية لكنها فوجئت بنمو المد الإسلامي والوطني والرغبة بتأكيد الذات على مستوى شعوب منطقتنا، على الرغم من وجود أنظمة كثيرة انقادت بشكل كامل لأمريكا ومع ذلك كانت الصرخات العملية التي أدت دورها وأنجزت مهمات كبرى وعلى رأسها ما قامت به المقاومة الإسلامية في لبنان من تحرير للجنوب من المحتل الغاصب ، وما قامت به الانتفاضة الفلسطينية المجاهدة الشريفة من قلب المعادلة في فلسطين وكشف وفضح إسرائيل ومن ورائها، وما تحركت به الحركات الرافضة على مستوى عالمنا العربي والإسلامي التي رفضت الهيمنة الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة بأشكالها كافة.
من هنا نحن مدعون إلى أن نرص الصفوف كي نقف في مواجهة المرحلة الأخيرة من الاحتلال، واعتبرها المرحلة الأخيرة لأنها المرحلة العسكرية، وهي أفشل وآخر مرحلة يمكن أن يقوم فيها المحتل، وفي آن معاً هي المرحلة التي تحرك الضمائر والتي تستفز الشعوب وتمكنها من أن تصنع مستقبلها إذا امتلكت القرار والإرادة،
إن مشروع العدوان على العراق ليس وليد أحداث 11 أيلول، وإنما هو جزء من خطة رسمتها الإدارة الأمريكية الجديدة منذ مجيء بوش، وهي تستهدف تغيير الخارطة السياسية للمنطقة من نقطة العراق التي شكل نظامها الثغرة القابلة للنفاذ منها بحجج واهية كي يكون الاحتلال العسكري المباشر مقدمة للتغييرات في المنطقة سواء في الخليج أو في فلسطين أو على امتداد تلك المنطقة.لكن يجب أن نعلم أن هذه التطورات تحمل نتائج مزدوجة ففيها النتائج المؤلمة وفيها النتائج التي تفتح أبواباً أمامنا.
أما النتائج المؤلمة فهي الاحتلال، وقتل الأبرياء، ودعم المشروع الإسرائيلي، وإيقاع المنطقة في أتون الحرب المرة التي ستحمل ويلات كثيرة بسم السلام والأمن. وأما
النتائج الأخرى فهي صورة أمريكا القاتمة ستنتشر في المنطقة والعالم، وإن الممارسات الظالمة ستولد شعور الرفض، واليأس من الاعتماد على الدول الكبرى، وستجعل الأولوية البحث عن العوامل الذاتية للقوة التي تملكها شعوبنا.
من الخطأ البدء بمقارنة توازن القوى والإمكانات في الرفض والممانعة في المواجهة بيننا وبين أمريكا، إذ يجب البدء مما بين أيدينا مهما كان بسيطاً ومتواضعاً فإنه يتراكم مع الجهود وعبر الزمن. وذلك عبر الخطوات التالية:
1- أن نرفض شراء البضائع الأمريكية، وهذا يؤثر على شركات المال التي تصنع القرار والتي تعلم خلفية المقاطعة، وهذا الرفض يجب أن يدخل إلى كل بيت وشارع وأسرة ومحل ومدينة وقرية، وأن لا يقتصر على فئة دون أخرى وأن يبلغ من الاتساع ما أمكننا ذلك، وبإمكاننا أن نفعل هذا الأمر.
2- أن نرفض نمط الحياة والثقافة الأمريكية بكل أبعادها واستهلاكاتها، كي يفهم الأمريكيون بأنهم دخلوا في الطريق الخطأ وأنهم سيدفعون ثمناً غالياً لمشروعهم التوسعي.
3- إرباك الحركة السياسية الأمريكية، وجعلها غير اعتيادية وغير مقبولة في الحياة العامة، فلا يكون الجلوس مع السفير الأمريكي منحة يفتخر بها البعض، بل يجب أن يكون الجلوس معه لعنة يشعر المرء إذا جلس معه بأنه محرج كيف يجيب الناس عن هذا اللقاء الذي حمل مساوئ الأمة بأسرها ترتكبها أمريكا بحق شعوبنا وأطفالنا.
4- الرفض النفسي (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) فلا يكفي أن نتحدث عن المقاطعة بل يجب أن نرفضها من قلوبنا ومن قناعاتنا كمقدمة للرفض العملي، وللمنطق الإستهلاكي الأمريكي خاصة وأن البدائل متوفرة في كثير من الحالات ويمكننا الاستغناء عن الأمريكي في مجالات كثيرة.
وليعلم الجميع ,وكلكم تعلمون أن أمريكا تعطينا ما يؤدي إلى السمنة والأمراض الصدرية وما يبقينا في دائرة الاستهلاك والسطحية. لكن عندما يتعلق الأمر بتقدمنا وتطورنا فإن أمريكا تحجب عنا هذا التطور، حتى أولئك الذين اعتبروا أنهم ربحوا في إيداع أموالهم في أمريكا, فها هي تمنعهم اليوم من استخدامها، وحتى الذين اعتبروا أنهم حصلوا على التطور الأمريكي ها هم يخضعون لقطع الغيار ويدفعون أثماناً سياسية باهظة من مصائرهم ومصائر أجيالهم وأطفالهم.
ويجب أن نلحظ في كل حركتنا العدوان الإسرائيلي كأولوية وكمواجهة، وأن ننظر إلى أن المشكلة في منطقتنا تكمن في إسرائيل، وأن مشروع العدوان الأمريكي يصب في هذا الاتجاه وليس معزولاً عنه. أي أن تركيز الأنظار على العراق هو محطة من محطات المشروع الصهيوني في منطقتنا باليد الأمريكية، ولو كانت إسرائيل قادرة أن تدخل إلى العراق لما دخلت أمريكا، لكن هي تدخل مساندة للصهيونية لأن إسرائيل عاجزة عن ذلك. ويجب أن نلحظ أيضاً تلك الآثار المهمة التي حصلت عندما جرتووأوالآثار عندما جرت المقاطعة المقاطعة الاقتصادية العربية لإسرائيل، وكيف وضعت إسرائيل في سلم أولوياتها التطبيع الاقتصادي مع الدول العربية للتخلص من هذا المأزق. يجب أن تعرف أمريكا أنها بموقفها قد سقطت وأن إسرائيل قد أودت بها إلى الهاوية، وأن تعلم بأنها بدل أن ترفع إسرائيل فهي ستسقط معها بكل المعاني وكل الاعتبارات.
من الخطأ أن نستسلم للأمر الواقع، ويجب أن نكون واضحين وأن نستعمل العبارات التي تنطلي على أمريكا بشكل مباشر، والتي تنطبق على توصيفها، فأمريكا بالفم الملآن
هي الشيطان الأكبر، والشيطان مرفوض بصورته وأعوانه وخطواته على كل المستويات السياسية والثقافية والاقتصادية والعدوانية، يجب أن نجعل أمريكا مكروهة لتحصين البلاد والعباد كمرحلة أولى للحماية من أخطاره، فلو لم نحقق من المقاطعة إلاَّ جزءً من الحماية وبداية الطريق فهي خطوة ممتازة تؤسس لخطوات انتصار على وحش القرن الواحد والعشرين الذي ستساعد خطواته أيضاً بحد ذاتها إلى سقوطه فلا تنظروا إلى أمريكا بأنها تتقن ادارة اللعبة والاحتلال، بل ثقوا بأنها تعيش الغباء والأخطاء في الكثير من المواقع مما سيساعد على تسجيل الانتصارات باذن الله تعالى مع حركتنا وإرادتنا،، لكننا نحتاج إلى تكاتف الجهود وعقد اللقاءات وتعاون الجهات المختلفة لمواصلة الطريق.
لقد سقطت إمبراطوريات العالم عبر التاريخ باعتداءاتها على الإنسانية، ولا بقاء إلاَّ للعدل، واحترام حقوق الإنسان المشروعة إذا توفَّر من ينادي بها ويضحي من أجلها ويصمد أمام رياح الظلم والاستكبار.
فلنقل جميعنا لا لأمريكا في كل محفل وموقع، وفي كل منتدى وتظاهرة، وفي كل سوق وموقف، في كل قرية ومدينة، في كل لقاء واحتفال، لتضج أمريكا من أصواتنا وكثرتنا، ولنرفع الراية بجرأة وعزة وصلابة لتشعر أمريكا بالمرارة من داخلها، فنقطة الماء عندما تسقط بشكل متواصل على الصخر تثقبه، وأصواتنا المليئة بالحق والإنسانية والأخلاق والحرية ستتمكن بإذن الله تعالى أن تسِقط أمريكا في يوم من الأيام، لكن علينا أن ننطلق وأن نثق بإرادتنا، حرام أن نبقى ننظر بأن أمريكا قوية ونحن ضعفاء، لا نحن نقولها بالفم الملآن: نحن أقوياء لأننا أصحاب الأرض، ونحن أقوياء لأننا أصحاب الحق، وهم الضعفاء لأنهم محتلون جبناء يستخدمون آلتهم العسكرية، وهم عاجزون عن إقناعنا، وطالما أن أطفالنا يولدون على حب الأرض ويحملون الحجارة في فلسطين والبندقية في مواجهة إسرائيل فستسقط إسرائيل وستسقط أمريكا، وسننظر سوياً إلى المستقبل لنرى جميعاً هذه النتائج.ِ
إن بإمكان أمريكا أن تسجل احتلالاً في منطقتنا ولكن ليس بإمكانها أن تسجل انتصاراً في منطقتنا، بإمكانها أن تقتل الأطفال، لكنها لا تستطيع أن تتباهى بأنها غيرت المفاهيم، بإمكانها أن تسرق النفط والاقتصاد لكن ليس بإمكانها أن تسرق القلوب التي تؤمن بالاستشهاد. وستعلم إسرائيل وأمريكا أنهما سيخرجون من منطقتنا بقوتنا وإرادتنا وجهادنا وليجربوا وسيجدوا أن المستقبل لنا باذن الله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته