الكلمة التي ألقاها في حفل الإفطار الذي أقامته هيئة دعم فلسطين بحضور أمين عام حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين رمضان عبد الله شلح.
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق مولانا وحبيبنا وقائدنا أبي القاسم محمد، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين وصحبه الأبرار المنتجبين.
السلام عليكم أيها السادة العلماء، أيها الحفل الكريم ورحمة الله وبركاته.
القدس في القلب، وفلسطين هي البوصلة، وكل أولئك المنسحقون أمام الدبابات الإسرائيلية والقوة الإسرائيلية قد كشفته المقاومة بأدائها وعملها، إنسجاماً مع فهمنا لقوله تعالى: "لاَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَ يَفْقَهُونَ * لاَ يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاَ فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَ يَعْقِلُونَ"صدق الله العلي العظيم.
لقد أثبتت التجارب أن بإمكان المقاومة أن تغير المعادلة، وبإمكانها أن تصنع مستقبل فلسطين المحررة من البحر إلى النهر بكامل ترابها ومياهها وشعبها، وقد أثبتت التجارب أيضاً أن الوهم الذي يواجهوننا به في تكاتف المجتمع الدولي مع الغدة السرطانية إسرائيل لا يمكن أن يصنع قدرنا في مستقبل هذه الأمة، إذا أردنا أراد الله تعالى، وإذا صممنا على الجهاد في سبيله وفقنا ونصرنا، وإذا حملنا راية الحق لنستعيد والمقدسات فوفقنا كما حصل في مواجهة لبنان وفلسطين في محطات عدة في مواجهة هذا العدو الصهيوني.
لقد التفت الإمام الخميني(قده) من اللحظة الأولى إلى هذا السر العظيم، واعتبر أن القدس هي المحور وحينها أعلن يوم للقدس، عبَّر بوضوح عن أبعاد يوم القدس، يوم القدس هو يوم الإسلام، يوم القدس هو يوم انتصار المستضعفين على المستكبرين، يوم القدس هو يوم القدس في مواجهة الباطل، إذاً القدس هي البداية والقدس هي المنطلق، وفلسطين هي العنوان، الذي يجمع قلوب الأمة بأسرها.
لقد فكرت كثيراً أيُّ عنوان استطاع أن يجمع الأمة ويوحدها غير هذا العنوان العظيم الذي هو عنوان فلسطين والقدس، فرأيت أن الشعار العملي هو شعار المقاومة من أجل تحرير فلسطين والقدس وكل المقدسات الأخرى التي احتلها الصهاينة، وقد أثبتت التجارب أن قلوب الأمة بأسرها هي مع فلسطين ومع القدس، ولكن المشكلة في أداء الحكام وفي أداء المتخاذلين الذين يخشون من سطوة إسرائيل ومن أعونها، ولكن عندما نحمل لواء المقاومة بحق، ونكتل على ربنا فإننا منتصرون بإذن الله تعالى "كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ"، وقد رأينا كيف خرجت إسرائيل ذليلة من لبنان في عام 2000، وكيف اندحرت عام 2006، وكيف واجهها الفلسطينيون الشرفاء الأبطال في غزة في موقعتين أساسيتين في هذا الزمان في مطلع 2009 وبعد ذلك في العام 2012، وتوفقت هذه الأعمال المقاومة جميعها في تسجيل انتصارات حقيقية دكَّت في داخل هذا الكيان.
علينا أن ننتبه من الحرب الناعمة التي يخوضونها علينا لتعديل البوصلة من فلسطين إلى داخل بلداننا العربية والإسلامية، من فلسطين إلى المحاولات اللئيمة لإثارة الفتنة بين السنة والشيعة، من فلسطين إلى منازعات على السلطة تجعلنا في ركب الانجراف وراء غربٍ أو شرق تحت عناوين مختلفة، الحرب الناعمة تريد تحرف البوصلة والأولويات، وتغير تعريفات العدو والصديق. لقد بدأنا نسمع أولئك الذين يألفون أن يتفاعلوا ويتعاونوا مع إسرائيل، ولكنهم لم يألفوا حتى الآن أن يكونوا مع أبناء جلدتهم ومع مواطنيهم ومع الأرض السليبة من أجل أن يحرروها ويواجهوا إسرائيل.
أقول بكل صراحة: لا يوجد حلٌ سياسي في فلسطين لأن الجالسين على الطاولة محتلٌ مسيطر ويرفع السلاح لتشريع احتلاله، ومظلوم أُخذت أرضه والعالم يتآمر عليه، والحل الوحيد هو ببندقية المقاومة التي تطرد المحتل وتثبت للعالم بأسره أن أرض فلسطين للفلسطينيين أولاً وليس لهم شريك فيها إلاَّ من كان من مواليد فلسطين.
نحن رأينا كيف أن المقاومة نجحت، ولكن أين نجحت " في مجال واحد نجحت فيه المقاومة عندما تحررت واستقلت عن لعبة الأنظمة والأمم، فإذا فكر البعض أن يعيد المقاومة إلى لعبة الأنظمة والأمم أقول له: سترى أن المقاومة قد اندثرت وذهب مع الريح، لأن المقاومة لها قيمة حقيقية أنها لا تنظر إلى ألاعيب الأنظمة والسياسات، وإنما تنظر إلى الأرض إن تحررت فقد انتصرت وإن لكم تتحرر فالمتابعة مستمرة حتى التحرير إلى آخر قطرة دم وإلى آخر طفل يقول: لا إله إلاَّ الله ويعمل من أجل أن يحر ر الأرض دعماً للحق.
لقد أثبتت التجارب أيضاً أن المكاسب الآنية لا يمكن أن تحل محل المكاسب الإستراتيجية، ولطالما عرضوا علينا في لبنان أن نأخذ مواقع حكومية مهمة، وأن نتصدر الوظائف وأن نأخذ إمكانات مالية لإعمار الجنوب بشرط أن تتوقف بندقية المقاومة، ولكننا رفضنا ذلك وتبين أن هذا الرفض هو الحل الصحيح لأننا بعد ذلك حققنا نتائج عظيمة وإمكانات هامة لمصلحة أمتنا.
نحن إذا اردنا أن نقيس صحة المواقف اليوم في هذا العالم الضبابي وفي هذه الأزمات المتفجرة يجب أن يكون المقياس هو المقاومة، لأن الناس مصنفون اليوم على أساس من هو مع المقاومة ومن هو ضد المقاومة وطبعاً مشروع المقاومة يمتد إلى الشعوب المقاومة، يمتد إلى الذين يرفضون الاستبداد، يمتد إلى إيران وسوريا وإلى كل الأحرار في هذه المنطقة من شعوب وأنظمة وحكام، والمشروع الآخر هو مشروع إسرائيل وأمريكا ومعهم دول ومنظمات وجماعات تعمل في هذا الإطار، إذا أردنا صحة موقف من المواقف علينا أن نرى أصحابه هل هم مع المقاومة أو ضد المقاومة، من كان مع المقاومة فموقفه صحيح، ومن كان ضد المقاومة فموقفه باطل وخاطئ مهما أعطى المبررات وقدم الدلائل، ولا أعني بالموقف مع المقاومة أن يخطب خطبة يؤيد فيها المقاومة، بل أن تنعكس أقواله في أن يكون في خندق واحدٍ معها يقاتل معها ويدافع عنها ويؤيدها بشكل مباشر.
هذه المقاومة هي الشرف ولو قال عنها الغرب بأنها إرهاب، بالله عليكم متى قال الغرب بأن المقاومة مقاومة، ومتى اعترفت أمريكا بحقوق الشعوب في قتال المحتلين، كانت هذه الصفة تطلق على المقاومين من اليوم الأول لمقاومتهم، لذا أقول لهم: بما أننا مقاومة بنظر شعوبنا، وبما أننا رقم صعب بسبب هذا الالتفاف حولنا فلن تؤثر علينا صفاتكم ولا عناوينكم ولا لوائحكم، نحن مقاومة بالجهاد والدم والتحرير والطفل والشيخ والعجوز رغم عنكم وإذا استطعتم أن تفعلوا شيئاً فتعالوا مع الإسرائيليين إلى الميدان فهم يخبرونكم كيف هي الهزيمة أمام موقع المقاومة الحرة الشريفة التي تمتد مع شعبها.
المقاومة في لبنان تاريخ وحاضر ومستقبل، والمقاومة في فلسطين تاريخ وحاضر ومستقبل، وإذا أردنا أن نرد على دعاة الفتنة تعالوا نبرز أكثر فأكثر هذا التلاحم العظيم بين المقاومتين اللبنانية والفلسطينية لنقول للعالم بأسره: هذه هي الوحدة على أرض الميدان ضد إسرائيل فلا عنوان سني ولا عنوان شيعي وإنما مقاومة ضد المحتل الإسرائيلي.
لقد هُزمت إسرائيل مرات عدة في منطقتنا، وبالتالي هي قابلة للهزيمة الكبرى، وانتصرت المقاومة مرات عدة في منطقتنا وهي قابلة للانتصار الأكبر، لم تعد المقاومة مشروعاً يحمل أملاً، بل تحولت المقاومة إلى مسار يأخذنا إلى النصر بإذن الله تعالى.
أما في لبنان فأقول لموطنينا من جميع الأطراف والفئات: الفرصة اليوم مؤاتية للمصالحة الداخلية في ظل غليان المنطقة وارتباكاتها، والذي سيطول كثيراً وكثيراً بحسب ما نرى، هذه المصالحة التي ندعو إليها في لبنان لها دعامتان أساسيتان: الأولى أن نتفق على إطلاق عجلة الدولة بكل مؤسساتها من أجل مصلحة المواطنين والناس، والدعامة الثانية أن نلجأ إلى حوار على الإستراتيجية الدفاعية لتوضيح موقع لبنان وقدراته والاستفادة منها في مواجهة التحديات المختلفة. إذا مددتم اليد على أساس هذه المصالحة الحقيقية فنحن على أتم الاستعداد وهذا هو الحل، وأما من راهن على أزمة سوريا وتطورات المنطقة فالأزمة طويلة، ولا تراهنوا على إيقاعاتها، وأعتقد أنه من المهين لكم أن يكون أنصاركم أولئك الذين قتلوا أكثر من مئتين من العزل في خان العسل في سوريا، وأولئك الذين بقروا البطون وأكلوا الأحشاء وقطعوا الرؤوس، فإذا كان هؤلاء هو الأنصار الذين تدعون إلى نصرتهم والعون معهم فأعتقد أن خيارات ليست في محلها أبداً وهي فاشلة وساقطة، لأن أصحاب الشرف في منطقتنا لن يقبلوا إلاَّ بالعمل البناء الذي يجمع ويوحد، والذي يقاوم ولا يستسلم، والذي يحرر لبنان وفلسطين من رجس الصهاينة، والذي يرفع رأسه مستقلاً أمام التحديات، هذه دعوة للمصالحة والتعاون بكل قلبٍ مفعم بالإيمان بالله تعالى في هذا الشهر الشريف، فتعالوا لنعمل معنا لأننا سنعيش معاً ونبقى معاً، فخيرُ لنا أن نتوحد في المسار والمصير على الحق، وفي الحوار وفي الإقناع فإن المستقبل للمقاومة وأصحاب الأرض، ولن يكون المستقبل لشذاذ الآفاق الذين يستجدون الأجانب في بلداننا، الباطل له جولة ولكن الحق هو الذي يسود في نهاية المطاف "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ" والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.