الموقف السياسي

الكلمة التي ألقاها نائب الأمين العام لحزب الله سماحة الشيخ نعيم قاسم في حفل تأبيني في حسينية البرجاوي في 7/5/2006

الادارة السياسية والتنفيذية في البلد مُقلقة وخاطئة وستهدم البلد

... المطلوب أن نعدل بين بعضنا البعض ، المطلوب أن نعود إلى قواعد نتبانى على أساسها . هل نريد لبنان الوصاية ؟ أو نريد لبنان اللبنانيين ، إذا أردنا لبنان للبنانيين ! يجب أن نتوقف عن استدراج العروض الأجنبية ، وعن التلطّي وراء أمريكا ومجلس الأمن وفرنسا وأوروبا من أجل أن يستقوي البعض على البعض الآخر . من أراد لبنان للجميع ، عليه أن يعترف أنه قوي وأن الآخرين أقوياء ، أن له شعبية وأن الآخرين لهم شعبية ، لن نتنافس بطريقة حسابية ، أي أن يقول البعض عندي عشرة وعندكم تسعة ، هؤلاء يقولون نحن أكثرية نيابية والآخرون يقولون نحن أكثرية شعبية ، التنافس بهذه الطريقة يسجّل نقاط ضد بعضنا البعض ، ولا يرفع من شأن لبنان ولا يبنيه . المطلوب أن نقوم بالخطوات العادلة التي تُصلح شأننا والتي تريح مجتمعنا ، وتُطعم أطفالنا ، وتبني لمستقبل أجيالنا .

أنتم تعلمون أننا أعلنا في حزب الله تأييدنا لمطالب هيئة التنسيق النقابية ، لبعض المطالب الاجتماعية التي تطالب بها ، والتي تدعو للتظاهر من أجل رفضها وتعديلها ، نحن اعترضنا بشكل مميّز على التعاقد الوظيفي، ولكن المشكلة ليست في التعاقد الوظيفي فقط ، بل المشكلة في عدة مشاريع تنطلق من ضرائب على الفئات المستضعفة الفقيرة ، وتُنقص من بعض المكتسبات التي حصل عليها هؤلاء ، تحت عنوان الاصلاح ، وتحت عنوان ترميم الاقتصاد اللبناني ، من هنا عندما أيّدنا مطالب هيئة التنسيق النقابية ، إنما أيّدناها بدافع مطلبي واجتماعي ، نحن مسؤولون من موقعنا أن نقول الحق ، وأن ندعم المستضعفين وأن نتظاهر معهم ، وهذا حق مشروع كفله الدستور ، وكفلته كل الأنظمة المُعترف بها ، ولا حق لأحد أن يتضايق أو أن ينزعج أو أن يحوّل هذه المطالب إلى تهمة سياسية ، فنحن عندما نتحرك لمصالح الناس ، نُعلن ذلك ، وعندما نريد أمراً سياسياً نُعلن ذلك أيضاً ، لسنا من أولئك الذين يخسرون تلزيم طريق، فيتحدثون عن الصراح العربي الاسرائيلي ، ولسنا من أولئك الذين يرتبكون في سرقة معينة داخل الدولة اللبنانية ، فيتحدّثون عن الوطنية . نحن نتحدث عن القضايا كما هي ، نشير إليها ، عندما نتحرك مطلبياً نقول بأننا نتحرك مطلبياً ، تحرّكنا من أجل المازوت لمصلحة الناس ، وعندما استجابت الحكومة انتهت المسألة ، والآن نتحرك لهذه القضايا المطلبية مع هيئة التنسيق النقابية ، فعندما تعالج الحكومة الأمور تنتهي هذه الأمور ، فإذا استجدت أمور أخرى طالبنا بها مباشرة ، لسنا من الذين يستغلون لقمة العيش لتسيير المكتسبات السياسية ، الحمد لله ، فعندنا من المواقف السياسية والقناعات السياسية التي نُعلنها جهراً أمام الآخرين ، لن تقف تهمة التسييس أمام استمرارنا لأننا نعلم من الذي يسيِّس ، ومن الذي يعمل لمصلحة الناس ومطالب الناس .

هنا أنتقل إلى النقطة الأخرى التي لها علاقة بالادارة السياسية في البلد ، أقول لكم بوضوح أن الادارة السياسية والتنفيذية في البلد مُقلقة وخاطئة وستهدم البلد ، لأن طريقة الادارة ليست مبنيّة على قواعد صحيحة لمصلحة لبنان ، بل مبنيّة على فئوية مقيتة وعلى تسجيل المصالح الخاصة على حساب المصالح العامة ، وأول مثل هو المجلس الدستوري، وكلكم يعلم أن المجلس الدستوري عندما تأسّس ، اعتبر اللبنانيون أنهم حققوا انجازاً كبيراً في أن تكون هناك جهة قضائية محايدة ، تمسك الناس وتعدل بين الناس ، ويومها قسّموا الاختيار بين خمسة يختارهم المجلس النيابي ، وخمسة تختارهم الحكومة ، على قاعدة أن يكون كل اللبنانيين شركاء في الاختيار ، وعندها لا يخضع أعضاء المجلس الدستوري لأي سلطة سياسية ، وإنما يتّخذون قرارتهم كما يشاؤون وفق قواعد البلد ووفق ضمائرهم ، الذي حصل أن المجلس الدستوري عُطِّل لمدة سنة كاملة ، والذي عطّله الحكومة اللبنانية لأنهم امتنعوا عن اختيار شخصين، وقام البعض بتحريض عدد من الأعضاء ليستقيلوا ، ولم يُقسم اليمين من اختارهم المجلس النيابي ، كل هذا الأمر كان بهدف عدم وضع بعض القضايا أمام هذا المجلس ، خوفا من أن يتّخذ قرارات لا تنسجم مع رأي البعض ، لماذا ؟ ما الذي يُخيفكم ؟ إذا كان المجلس الدستوري حق طبيعي ، وإذا كان يُفترض أن يكون محايداً ،فليتّخذ قراراته طالما أنه تمّ اختياره بشكل قانوني . نحن لا نتحدث عن ابطال قانون وتغيير قانون ، من حق أي جهة أن تقدم أي قانون وأن تغيِّره وأن تعدِّله وفق القواعد ، نحن نتقبّل الأمور الدستورية ، لكن هناك فترة سنة لم تعيِّن الحكومة أعضاء المجلس الدستوري ، كي لا ينظر في الطعون النيابية ، لأنهم يخشَون أن تُتَّخذ قرارات تُلغي نيابة البعض ، فيتغيَّر وضع الأكثرية النيابية ، وبالتالي يكون هناك تغييرات حقيقية في المواقع السياسية في داخل البلد ، لكن ما هو البديل ؟ قانون مفصّل على القياس ، هل يمكن بعد اليوم أن يكون المجلس الدستوري عادلاً ومنصفاً ، عندما يتحول الاختيار إلى اختيار سياسي وعندما يتحول القانون إلى قانون سياسي ، وعندما يرتبط القانون بمصالح فئة دون فئات أخرى ، فهذا يعني أن المجلس الذي أردناه أن يكون منصفاً وعادلاً وبعيداً عن الحسابات السياسية ، أصبح جزءاً لا يتجزأ منها ، إذاً هم حكموا على المجلس القادم إذا انعقد وإذا بدأ مباشرة بأنه مسيّس ، وأنه يميل لفئة دون فئة أخرى ، هل هذه إدارة صحيحة على المستوى الأداء السياسي للبلد .

المثل الثاني مسألة رئاسة الجمهورية ، من حق أي طرف أن يقول أنه لا يعجبه رئيس الجمهورية ، وأنه لا يريد رئيس الجمهورية وأن يصرِّح وأن يقف المواقف السياسية المختلفة ، وأن يسلك الطريق القانوني لإنهاء ولايته إذا كان يستطيع ذلك ، لكن لم نسمع بعد في العالم أن الحكومة تجتمع يوماً مع رئيس الجمهورية ويوماً ترفض الاجتماع ، يوماً يجتمعون وكأن البلد بخير وأمان ، ويوماً آخر يواجهون بعضهم بعضاً ، الحكومة هي الادارة ، وعلى الادارة أن تستمر وفق القوانين ، لا أن تتحوّل الحكومة إلى معارضة يوماً وحكومة يوماً آخر ، تعطِّل البلد يوماً وتدير البلد يوماً آخر ، نحن نعلم أن الحكومات مهمتها ادارة البلد وليس تعطيل البلد ، أتعبوا البلد لمدة سنة بطريقة ادارة سياسية حول رئيس الجمهورية ، وفي النهاية وصلوا إلى أن المساكنة هي المطلوبة ، وأن هذا الطريق الذي سلكوه كان خاطئاً ، لأن الدستور لا يساعدهم ، والافرقاء الأساسيون في البلد من غير جهتهم ، إذاً لماذا توتير البلد بطريقة سياسية دائمة ؟ وبالتالي وجدنا انفسنا أمام حكومة تعترض على نفسها ، أيّة إدارة هذه ؟

المثل الثالث ، انتخب البعض لبنان منصة إطلاق نار سياسي على سوريا، البعض في لبنان يريد اسقاط النظام السوري من لبنان ، ويعمل مع المعارضة السورية من لبنان ، ويستدرج عروضاً خارجية ليكون جزءاً من الأدوات الأمريكية والوصاية الأمريكية ، هل يتحمّل لبنان هذا الأمر ؟ أنا لا أتكلم عن القناعات ، أتكلم عن قدرة لبنان ، وعن مصلحة لبنان ، هل من مصلحتنا أن نحوِّل لبنان إلى معبر لاطلاق نار سياسي على سوريا ، وتتوتّر الأوضاع بيننا ، ثم تتغيّر الأمور كثيراً في المنطقة، والله أعلم كيف تكون علاقة سوريا مع الآخرين ، فنُبقي وضع لبنان متوتراً ومرتبكاً ، وهذا أمر ينافي ما توصّل إليه مؤتمر الحوار ، مؤتمر الحوار دعا إلى علاقات لبنانية سورية ، وكل الأداء يؤدي إلى ضرب هذه العلاقات اللبنانية السورية ، لمصلحة من ؟ ألا تريدون أن ترتاحوا ؟ لماذا تعملون بهذه الطريقة ؟ من الذي يشير إليكم ويوجّهكم ؟

المثل الرابع ، في كل مرة يستعينون بالقرارات الدولية ، ويقولون لنا أن هناك قراراً دولياً يجب أن نطبِّقه ، هل القرار الدولي معصوم ومُنزل ؟ كلا ، لماذا اتُّخذت قرارات دولية بحق لبنان خلال سنة اكثر من القرارات الدولية التي اتُّخذت خلال عشرين أو ثلاثين سنة بحق مجموعة قارات على مستوى الأرض . هذا لأنهم يريدون وضع اليد على لبنان وبعض من هم في لبنان ، عجزوا عن إدارة لبنان كما يريدون ، فجعلوا لبنان مركز إعانة لمجلس الأمن ، من أجل أن يُخفِّف عنهم وأن يساعدهم، فإذا خسروا في أمر سدَّ مجلس الأمن خسارتهم ، وإذا ضعفوا في مواجهة استعانوا في مجلس الأمن حتى يعينهم على هذه المواجهة ، ألا تملكون الثقة بأنفسكم ؟ تعالوا ، عندكم شعبية وعند الآخرين شعبية ، ويوجد دستور في البلد ، فإذا أردتم أن تُثبتوا مكانتكم في التظاهر فأهلاً وسهلاً ، وإذا أردتم أن تُثبتوا مكانتكم بالتشريع والأكثرية النيابية ، لكن ليس بالاستعانة بالأجنبي والأمريكي ، وليس بالمصالح الأخرى التي تكون ضد مصلحة لبنان .

ثم قال : سمعنا في الفترة الأخيرة تصريحات أثارت عندنا علامات استفهام كثيرة ، من بعض الذين جاهروا بهدفهم ، وهو نزع سلاح حزب الله ، سأكون واضحاً بالكامل ، نزع سلاح حزب الله غير مطروح ، لا على طاولة الحوار ولا خارج طاولة الحوار ، إذا كان البعض يعتقد أنه يسلك طريق نزع السلاح ، فهذا ليس له مكان ، لا في الحوار ولا في غير الحوار ، أما إذا كان البعض يريد أن يسلك نقاشاً حقيقياً لمصلحة السياسة الدفاعية المرتبطة بلبنان ، والتي تؤدي إلى تحديد وظيفة ودور السلاح من ضمن هذه الاستراتيجية الدفاعية ، فنحن حاضرون لمناقشة الاستراتيجية الدفاعية ، لا يظنّنّ البعض أنه إذا تكلم كثيراً في وسائل الاعلام أنه يريد السلاح أنه يعالج المشكلة ، لأنه يثير حفيظتنا أكثر ، ويضع أمامنا علامات استفهام كثيرة، نحن ننبّهكم ، من الذي يطالب بنزع السلاح على المستوى الدولي ؟ بشكل أساسي أمريكا واسرائيل ، لماذا ؟ لأن أمريكا تريد الغلبة من خلال لبنان ، وتعتبر أن سلاح حزب الله عقبة أمامها ، واسرائيل تريد ان ترتاح من قوة لبنان ، لتتحكم سياسياً في المنطقة ، فتريد نزع سلاح حزب الله ، هذا الشعار شعار أمريكي اسرائيلي ، انتبهوا ! ربما انطلق البعض من حسابات برّرها أنها داخلية في لبنان وخاصة بلبنان ، لكن متى يص طرح هذا الشعار ، ومن الذي يستفيد منه. نحن لن نقبل أن نُعطي أمريكا ولا اسرائيل منحة من سلاحنا ، سنبقى على المقاومة التي تحمي لبنان ، وليدلُّونا على طرق أخرى لحماية لبنان ، نحن حاضرون للنقاش ، لكن لا نترك بنادقنا قبل أن نصل إلى النتيجة الصحيحة التي نؤمن أنها تُبقي عزة لبنان وتُحافظ على دماء الشهداء وعلى عطاءات الشهداء .