الكلمة التي ألقاها نائب الأمين العام لحزب الله سماحة الشيخ نعيم قاسم بدعوة من لجنة امداد الامام الخميني في ثانوية اهل البيت في زقاق البلاط بمناسبة عيد الغدير، بحضور مدير عام الجمعية الحاج حسن زريق والنائب امين شري وحشد من العلماء والفاعليات والاهالي , ومما جاء فيها:
(...)، نحن اليوم لا نبحث في لبنان عن موقع أو مكسب أو توظيف في إطار مكتسبات تتوزع بين المعنيين والمسؤولين في إدارة الدولة، وإنما نبحث عن تأدية مسؤوليتنا الشرعية التي نؤمن بها في حسن تمثيل الناس، وفي المحافظة على التحرير والاستقلال ومقاومة الأعداء وتعميم العدل بين الناس، من هنا عندما نتحرك إنما نتحرك من هذا الباب، لا نريد للبنان أن يعود إلى الوراء، ولا أن يكون مسرحاً يلعب عليه اللاعبون الكبار والصغار، أوأن يكون ورقة مساومة إقليمية أو دولية، أو أن يكون تحت الوصاية الأمريكية أو الأجنبية، وهذا ما يدفعنا لأن نكون واضحين في الرفض بشكل سياسي وبالتعبير العملي من خلال التظاهر وفي التحركات المختلفة مع كل الأطراف الرافضة لإعادة لبنان إلى الماضي أو لرفض وصاية أمريكية مفروضة على لبنان. لماذا نرفض هذه الوصاية الأمريكية؟ أو هل صحيح أنه توجد وصاية أمريكية في لبنان؟ سأذكر ببعض العناوين التي تعتبر واضحة كوضوح الشمس وهي تدل على الرغبة الأمريكية في الوصاية على لبنان:
1- التدخل والإملاءات التي يمارسها السفير الأمريكي وكذلك الإدارة الأمريكية على لبنان بشكل دائم ومستمر حتى لو أردنا أن نجري إحصاءاً لكلمات بوش التي نسمعها عبر وسائل الإعلام لرأينا أن كلمة لبنان وشؤون لبنان تفوق عشرات المرات الحديث عن أي ولاية أمريكية إن لم أقل عن كل أمريكا.
2- ربط المساعدات للبنان بالموقف السياسي، وهذا ما صرحت به رايس عندما أتت إلى لبنان، وقالت: المسألة الاقتصادية وإنعاش لبنان له دلالة سياسية وله انعكاس سياسي هذا يعني أنهم يريدون أثماناً لأي خطوة لها علاقة بالاقتصاد اللبناني.
3- الإعلام الصريح لوولش مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية اليوم بأنه يرى وجود الحزب في الحكومة خطاً فادحاً ويجب أن يصحح هذا الخطأ، فهو لا يريد أن يكون الحزب في الحكومة، يعني هل أن وولش يحدد من يكون في داخل الحكومة ومن لا يكون؟ نحن ننتظر أن نستمع إلى المواقف الجريئة من شركائنا في الحكم ومن شركائنا في الدولة ليردوا على تصريحات نائب وزيرة الخارجية الأمريكية بما يقوله وبما يتدخل به في شؤون لبنان .
4- عطَّلت أمريكا اتفاقين عقدا مع تيار المستقبل، وكانا اتفاقين من أجل تسوية الأوضاع وحل مشكلة الأزمة الحكومية، فلم يبقَ مسؤول أمريكي إلاَّ وضغط وحرك واتصل واستصرح في الداخل وفي الخارج من أجل منع هذين الاتفاقين لأنه يرى أن الوفاق في الداخل معارض للمشروع وللخطوات الأمريكية.
5- منذ أسبوع تصدرت عناوين الصحف الجولة التي قام بها فيلتمان ليجمع بعض القوى في مقابل قوى أخرى، وليشجع ويعد ويرغب ويهدد تحت عنوان إنكم إذا لم تجتمعوا فإن البلد سيذهب الى مكان آخر، إذاً اجتمعوا في مقابل حزب الله وحركة أمل وآخرين وهذا ما كان ظاهراً من خلال وسائل الاعلام ولم تستنكره السفارة الامريكية .
إذاً نحن أمام وصاية أمريكية بكل ما للكلمة من معنى ، تريد أن تتدخل في شؤوننا ، وأقول بصراحة: لن نسمح للوصاية الأمريكية أن تتحكم بلبنان، سنتظاهر ونرفع الصوت ونجتمع مع كل الشباب وكل الناس الرافضين لهذه الوصاية ، ولتعلم أمريكا أن لبنان عصيٌ على هذه الوصاية، لا تظنوا أنكم تدخلون إلى لبنان بقوتكم فقوتكم لا تصنع لكم حضوراً في لبنان، الواقع الشعبي هو الذي يصنع حضوراً ، وشعبنا في لبنان يرفض الوصاية الأمريكية ، لن تتمكنوا من الدخول إلى لبنان للسيطرة عليه ما دام هناك في لبنان من يرفع الصوت ضد الوصاية الأمريكية وأي وصاية أجنبية، نحن نريد لبنان مستقلاً على المستوى الإقليمي وعلى المستوى الدولي، ولا نقبل بوصاية فقد أصبحنا نملك الرشد الكافي لندير شؤوننا كدولة حرة ومستقلة, وبعد التحرير يختلف لبنان عن ما قبل التحرير ، وبالتالي تعاطوا مع لبنان كدولة ذات كرامة وسيادة عندها نناقش الأمور من موقع الأسياد، أمَّا من موقع الوصاية فهذا أمرٌ مرفوض وستثبت الأيام أن الوصاية الأمريكية غير قابلة للحياة في لبنان.
أما بالنسبة لما تبقى من القرار 1559 فهو أمر واحد، اسمه طمأنة إسرائيل بإضعاف قدرة لبنان وسحب سبب قوته بالمقاومة وسلاحها، من أجل أن تتابع إسرائيل مشروعها التوسعي في فلسطين وفي كل المنطقة العربية، لم يبق من القرار 1559 حسب الفهم الأمريكي والمشروع الإسرائيلي إلا هذا النص، ونحن نرفض أن يعود لبنان ضعيفاً ، نريد لبنان قوياً ، ولا يصح لأحد أن يطالب بإضعاف لبنان، كل بلد في العالم يفكر كيف يكون جيشه وشعبه قوياً، وكيف تكون مقاومته قوية، كيف يستطيع حماية بلده في مواجهة المتغيرات والتحديات، إلاَّ البعض في لبنان يفتشون عن أسباب ضعفنا ليضعونا في مهب الريح الدولية، لماذا؟ ولمصلحة من؟ إذا كان البعض يستفيد من ضعف لبنان فحرام عليه أن يُضعف لبنان من أجل مصالحه، فليفكر أن يكون لبنان قوياً عندها سيستفيد الجميع إن شاء الله تعالى.
أمَّا بالنسبة لمعالجة الأزمة الوزارية، نحن نعتبر أن الفرص لم تتوقف ولم تنعدم بعد لمعالجة تعليق عضوية وزراء أمل وحزب الله في الحكومة، والأمور ليست معقدة، نحن نريد أمرين: نريد التصحيح والتأكيد. نريد تصحيح مسار المشاركة الذي كان قائماً وأخطأ البعض في كيفية تطبيقه لنعود شركاء كما بدأنا عند تأليف الحكومة، ونريد تأكيداً ان المقاومة ليست ميليشيا, وكلكم تقولون عبر وسائل الإعلام بأن المقاومة ليست ميليشيا, ما هو مطلوب أن تأكدوا هذا الأمر بشكل مجتمع من أجل إعطاء الطمأنة في أن الوصاية الأمريكية لا تمر على أحد وأن إملاءات لارسن ليس لها محل في الحكومة أو في خارجها، نحن نريد أن نريح الجميع في أن نكون معاً في فهم واحد من دون علامات استفهام ومن دون شكوك متبادلة لا سمح الله بشكل أو بآخر. على هذا الأساس تعود الأمور إلى مجاريها ويعود وزراء أمل وحزب الله إلى الحكومة، فالمسألة ليست معقدة، دعونا من التباري الإعلام ، فلا داعي له ، لأن هذا التباري لن ينفع أحد.
نحن ندعو إلى حوار جدي وفق الأسس الخمسة التالية:
1- أن نحدد عناوين الخلاف الرئيسية والحقيقية، وهي على ما أعتقد : كيفية حماية لبنان ، العلاقات اللبنانية السورية ، الوصاية ورفضها، قانون الانتخابات، الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي، المشاركة في كيفية إدارة البلد. نضع هذه العناوين ونناقشها ونفصلها بشكل موضوعي ونصل إلى النتائج.
2- أن نراعي المصلحة اللبنانية ورؤى مكونات المجتمع اللبناني، لا أن نأخذ الأمور تحت عنوان المكاسب الخاصة في مقابل الآخرين.
3- أن لا نضع شروطاً مسبقة في الممنوعات والمسموحات لأن الحوار يفترض أن يكون كل شيء على الطاولة، عندك مخاوف مني ، وعندي مخاوف منك، إذاً تناقش ما تريد وأناقش ما أريد.
4- أن نبتعد عن المساجلات الإعلامية ، فهذه تضر الحوار ولا تجعله يتقدم ولا خطوة واحدة.
5- أن نبتعد عن فكرة الاستئثار أو فكرة الغالب والمغلوب، لأن لبنان لا يمكن أن يبنى على قاعدة الغالب والمغلوب، ولا يمكن أن يكون هناك حوار جدي إذا كان هناك غالب ومغلوب، فمن يناقش من؟ المغلوب سيعطل الحوار خشية أن يُؤكل في الحوار، والغالب إذا دخل في الحوار يجيره في الاتجاه الذي يريده، فالحوار يتطلب تكافؤا ، وبالتالي يجب أن يجلس الناس مع بعضهم البعض من دون غبن ولا خوف.
إذا قمنا بهذه الأمور نستطيع أن نتقدم خطوات إلى الأمام، ويساهم الجميع في انجاز الاستقرار السياسي الذي ينعكس على كل شىء في بلدنا.
وهنا أنصح أن نُبعد نقاط الاتفاق عن السجال اليومي، فبعض الأمور محسومة عند كل اللبنانيين، لماذا نثيرها دائماً ونضع علامات استفهام حولها، أعتقد أن نقاط الاتفاق بين اللبنانيين الأساسية أربعة:
1- كشف الحقيقة عن قتلة الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وهذا محل إجماع لبناني، فلماذا يحضر البعض موضوع التحقيق ويحاول أن يدخله في كل شيء، فهذا يُضعف التحقيق ويجعله مفردة خلاف وسجال لبناني في الوقت الذي يقول فيه الجميع بالوصول إلى الحقيقة، فلنترك التحقيق ليصل إلى نهايته، ولا نستبق التحقيق باتهامات جاهزة، انتظروا النتيجة القضائية.
2- الكل يقول بأن إسرائيل عدو لبنان، إذاً علينا أن نترجم هذا الأمر عملياً كيف نتعاطى مع عدو لنا؟ كيف نحتاط ونحذر من اعتداءاته وكيف نتعاون مع بعضنا البعض حتى لا يتحكم بنا هذا العدو.
3- الكل يؤكد على استقلال لبنان، والاستقلال له معنى واحد هو أن لا يكون هناك قوة أجنبية تتحكم بشؤون لبنان، كلنا نريد الاستقلال تعالوا نتفاهم كيف نحصن هذا الاستقلال ، لكن لا نضع الاستقلال في بازار النقاش، لا يوجد في لبنان من يريد استقلالا بينما غيره لا يريد الاستقلال! الكل يريد فالشعارات واحدة والأعلام واحدة، والحمد لله لم يعد هناك ساحات أصبح هناك ساحة واحدة للجميع كلهم يتباهى برفع العلم اللبناني، وكلهم يتحدث عن السيادة والاستقلال، وكلهم لا يريد الأجنبي، إذاً هذه ليست نقطة خلاف لماذا نثيرها؟ نعم لا يستطيع أحد أن يعطي شهادة للآخرين ، ومن الذي يستطيع أن يعطي هذه الشهادات، دعونا نضع الشهادات على جنب فلا أحد يوزع على أحد، ونقول بأن الجميع شركاء في استقلال الوطن.
4- ضرورة الإصلاح السياسي والاقتصادي، وهذا أيضاً مطلب جميع اللبنانيين، إذاً فلننزع هذه الأمور من النقاش المباشر، ونعتبر أنها من المسلمات ولننطلق لبناء لبناننا.
لبنان يبنى بمواطنيه وفئاته المختلفة, فلا جماعة 14 آذار يستطيعون بناء لبنان وحدهم أو يقيسونه على مقاسهم, ولا جماعة 8 آذار كذلك ولا غيرهم, نحن جميعا بحاجة الى بعضنا بعضا لنبني لبنان الجميع وليس لبنان الفئة أو الطائفة .