الموقف السياسي

الكلمة التي ألقاها في حفل تأبين الحاج أمين رشيد والد مدير عام كتلة الوفاء للمقاومة في المعهد الفني 7/10/2007

للأسف البعض في لبنان ليس إلا صدى للموقف الامريكي

ومما جاء فيها :

.. لبنان لن يكون لقمة سائغة لأمريكا طالما فيه مقاومين شرفاء، وشعباً أبيًّا طاهراً يأبى الوصاية، وبالتالي من العسير على أمريكا أن تتخذ من لبنان متَّكأً لأرباحها، نعم بإمكانها أن تتخذ لبنان معبراً للمزيد من خسائرها وانحدارها، وهذا ما أثبتته التجربة من عدوان تموز حتى الآن وسيبقى كذلك إن شاء الله تعالى.

أمريكا اليوم هي السبب الأول والمباشر الذي يعيق الوفاق اللبناني، لأن مشروعها يختلف عن مشروع إعمار لبنان ومستقبل لبنان، ونحن لا نُلقي التهم جزافاً، وسنكتفي من الفترة الاخيرة التي صاحبت عدوان تموز لنرى فعل أمريكا في أي اتجاه، كل العالم يعرف أن أمريكا هي التي اتخذت قرار العدوان الاسرائيلي على لبنان، وكل العالم يعرف أن أمريكا كانت تريد القضاء على المقاومة وعلى منعة وقوة لبنان، ولكنها فشكلت ببركة المقاومين الشرفاء الذين طردوا اسرائيل شر طردة من لبنان وحققوا نصراً إلهياً عظيماً لمصلحة لبنان والأمة، وبالتالي لم تستطع أمريكا أن تهضم هذه الهزيمة، وشعرت أن مشروعها بدأ يتضرّر فلجأت إلى تحركات سياسية تُعيق من خلالها أي إنجاز لبناني وأي توافق لبناني، وقد سبّب أداء أمريكا بعد الحرب خسائر كبيرة للبنان، على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي، أي أن أمريكا سبّبت أضراراً بسبب محاولاتها المتكررة للضغط على بعض أدواتها من أجل تحقيق مكاسب سياسية عجزت عنها خلال الحرب. راجعوا ما الذي حصل، كنا على مشارف التفاهم في مسألة الارتباط بين الحكومة والمحكمة، فعطّلت أمريكا التفاهم، وأخذت المحكمة إلى مجلس الامن، وكنا على مشارف التفاهم بين الحكومة ورئاسة الجمهورية فعطّلت أمريكا التفاهم أيضاً، وأخذت الامور نحو المزيد من التأزيم، ثم كانت المبادرة الاخيرة للرئيس بري للتوافق على شخص الرئيس على قاعدة الدستور، وتحاول أمريكا ليل نهار أن تُعيق وتُعطِّل هذا التوافق، إذا أردتم أن تعرفوا لماذا لا نسمع مواقف حاسمة لمدّ اليد والدعوة الايجابية للطرف الآخر، فراجعوا التصريحات الامريكية التي تحاول أن تضع العراقيل، والتي تمنع التوافق ليل نهار. أمريكا اليوم تتدخل في أدقّ التفاصيل اللبنانية، أصبحت الادارة الامريكية تفسِّر الدستور وتُعطي التعليمات، وتقول المواقف وتُصدر الشروط، ويتحدث سفيرها في لبنان وأعضاء وزارة الخارجية والرئيس بوش وجميعهم يضعون لبنان في سُلَّم أولوياتهم في تفاصيل وضعه اليومي، وهذا تدخل سافر وإعاقة للاتفاق بين اللبنانيين، ولكن بحمد الله تعالى استطاعت المعارضة بموقفها الشريف وتمسّكها وصبرها أن تلجم الوصاية الامريكية على لبنان وأن تمنعها من تحقيق أهدافها، وهنا إذا أردنا أن نُقيِّم الاداء الامريكي سنصل إلى نتيجة واضحة بأن أمريكا ليست صديقة للبنان ولا تساعد لبنان، أمريكا تسبِّب الاضرار للبنان واللبنانيين، وإذا كفَّت يدها فإن لبنان سيكون في وضع أفضل وسيُنجز الانجازات الكثيرة.

للأسف البعض في لبنان ليس إلا صدى للموقف الامريكي، ويتصرّف كأبعد ما يكون عن مصلحة لبنان، لقد أصبح لدينا محافظون جدد في لبنان، لكن الفرق بينهم وبين المحافظين الجدد في أمريكا أنهم في أمريكا يقرِّرون أما هنا فيُنفذون دون أن يعلموا النتائج، ونحن نقول لهم كونوا مع لبنان ولا تكونوا مع أمريكا. هؤلاء المحافظون الجدد في لبنان يراهنون على متغيِّرات إقليمية ويعتقدون أنها ستنعكس خيراً على لبنان، من قال لكم أن المتغيِّرات الاقليمية قد تكون لمصلحتكم إذا حصلت، فقد تطيح هذه التطورات الاقليمية بكل الافكار والقناعات التي تحملونها والتي يحملها الامريكي للصورة المستقبلية للبنان. للأسف هؤلاء لم يستجيبوا لأي طرح حتى الآن، هؤلاء لا يعرفون كلمة نعم بل دائماً يقولون كلا، دائماً في جبهة الرفض ودائماً يعترضون ويحوّلون الكلمات الايجابية إلى سلبية، فيفسِّرون الوحدة بالمصيبة والوفاق بالكارثة والوحدة الوطنية بالانتحار السياسي، مع العلم أن اللغة العربية واضحة، فالوحدة كلمة تعني الاتفاق وهذا أمر إيجابي، لكننا بتنا نرى قاموساً جديداً، على كل حال هم لم يقنعوا أحداً في لبنان ولا خارج لبنان، بسبب خوفهم من الاتفاق والتفاهم والتعاون، لا نسمع إلا الصراخ والشتائم، ولا نسمع التحليلات والادلة، ولديهم حساسية من كل ما يجمع ومن كل من يجتمع، ولا أعلم ما هو سبب هذه الحساسية، شنّوا حملة كبيرة على حزب الله والتيار الوطني الحر، لأنهما أنجزا تفاهماً فيما بينهما، هل التفاهم بين شريحتين كبيرتين يسبب ضراراً للبنان، يجب أن يفرح الناس جراء هذا التفاهم، لأنه طمأن الطرفين وطمأن القواعد، وأنجز خطوات لبناءٍ مشترك ومنع التفرّد، وهذا ديدننا في حزب الله لأننا عندما ذهبنا إلى التحالف الرباعي ذهبنا بعقلية الوحدة والتعاون، وحتى هذا التفاهم الذي قام بين التيار الوطني وحزب الله هو مفتوح لكل من أراد أن ينضم إليه، أو أن يدلوا بدلوه كجزء من تعاون اللبنانيين مع بعضهم البعض، ومع ذلك نسمع انتقادات، ما هي المشكلة في هذا التفاهم، المشكلة أن هذا التفاهم أعاق المخططات الاجنبية، وأعاق الوصاية الامريكية، وأعاق الاضرار بلبنان، وفتح أفاقاً لتعاون فعّال بين اللبنانيين، نعم نحن مقتنعون بكل ما يجمع وهذه عادتنا.

نحن اليوم أمام مقارنة حادة، فهناك طرف يريد التوافق وطرف لا يريده، وإلا فلنرسم هذه القاعدة، التوافق في قناعتنا أنه خيار لبناني محض أما الاستفراد فهو خيار أمريكي، والوحدة تنفع لبنان أما التجزئة فتنفع اسرائيل، والمشاركة تنهض بالبلد أما عدم المشاركة فتجعل البلد يزداد خسارة وتراجعاً، على كل حال لم يعد الاستحقاق بعيداً والانتخابات باتت قريبة، سننتظر لنرى وسيكشف أمام الناس من هو مع الخيار اللبناني ومن هو مع الخيار الامريكي، فهذين الخيارين لا ثالث لهما، خيار لبناني يؤدي إلى الاتفاق وخيار أمريكي يؤدي إلى المزيد من التعقيدات والمشاكل التي تضر بلبنان.

للأسف سمعنا في اليومين الاخيرين جوقة رفض الحلول، التي تتحدث بمنطق واحد وبتعليمات واحدة، وهنا في الوقت الذي أزعجتنا هذه الردود غير المنطقية أفرحتنا وأسرّتنا، لأن سماحة الامين العام حفظه الله استطاع أن يُحرج الكثيرين من أولئك الذين لا يُقدِّمون حلولاً بخطابه الهادئ والرصين الذي عرض فيه أفكاراً، كان يمكن لأي شخص أن يعارض وأن يناقش ويُحلّل وأن يقبل بالمنطق أو يرفض بالمنطق، لكن أن يكون هناك رفضاً بلا مبررات وشتائم لا معنى لها فهذا منتهى الضعف، لقد رأينا قاسماً مشتركاً بين بعض الردود السلبية التي كانت على خطاب الامين العام، وهذا القاسم المشترك هو أنها ردود محضّرة مسبقاً كُتبت قبل الخطاب، وحصل عليها بعض الإضافات لمقتضيات الخطاب، وبالتالي لو تكلّم الامين العام بغير هذا الكلام بكلام آخر، فسيكون الردّ واحداً، لأنهم جاهزون للرفض ومن أجل الإساءة بشكل أو بآخر. بعض هؤلاء يذكّرني بالمثل العربي الشهير عندما اختلف شخصان على عنزة أو طير، فالاول يقول له أنا أرى عنزة والثاني يقول له أرى طيراً، فاتفقا أن يذهبا إلى هذا الحيوان ليرَوا إن كان عنزة أو طائراً ، فلما وصلا قال أحدهم "عنزة ولو طار" ، لأنه لا يريد أن يقتنع بالحقائق، ويريد أن يعطي الموقف مسبقاً، أحدهم لم يختر جملة مفيدة واحدة، وصاغ من عنده جملاً وردّ عليها، فأنشأ خطاباً جديداً لا علاقة له بخطاب الامين العام ورد عليه بالكامل، والثاني انتقد كل ما لم يرد في الخطاب، فاستحضر عناوين لم ترد واعترض لأنها لم ترد، وبدأ يناقشها ويفنّدها وهي لم ترد في الخطاب، أما الثالث فهو أشغل الشريط الذي اعتاد أن يقوله في كل مناسبة، بعض العبارات حفظها عن ظهر قلب، وهو يُخطئ حتى عندما يلفظها أمام الكاميرات لكنه معذور فلغته العربية تعاني من خلل، وبالتالي فهو يكرّر نفس السنفونية، فقط لأنه سمع أن هناك خطاباً في مكان ما قد قيل ولعله لم يستوعب مضمونه بالكامل. على كل حال لأن كلام سماحته كان مقنعاً مما رفع منسوب التوتر، وبالتالي الشعب اللبناني يميِّز بين الكلام الرزين وبين ردود الفعل التي لم تكن موضوعية والتي لم تأخذ بعين الاعتبار النقاش الذي طُرح بشكل مباشر، على كل حال نحن لدينا قراراً أن لا نرد على كل كلمة، لذا أكتفي بهذا المقدار العام وأترك للرأي العام أن يحكم، نحن مطمئنون أن الناس تفهم وتعي وتفسّر على الرغم من أن بعض المتحدّثين لا يفهمون ولا يعون ولا يعرفون التفسير الحقيقي.

هنا نعود إلى مباردة الرئيس بري، ونقول بالفم الملآن أننا معها، وقد أيّدناها لمصلحة الحل، وعلى الآخرين أن يقدموا ما عندهم، سنصبر صبر المطمئنّين أننا بذلنا كل جهد إيجابي، وسنُبقي اليد ممدودة حتى اللحظة الأخيرة من دون كلل أو ملل، وسننادي دائماً بالتوافق لمصلحة لبنان، فإذا تمّت الاستجابة فهذا خير للجميع، وهي تفتح خطوة باتجاه خطوات إيجابية أخرى، وإذا لم تتمّ فإننا نحمّل الفريق الذي لا يستجيب المسؤولية الكاملة عن كل ما ينتج، وعن كل الضرر الذي يلحق بلبنان، وإذا أردتم أن تفهمونا بشكل واضح نقول : رئيس يُنتخب بالنصف زائد واحد هو رئيس صنع في أمريكا ولم يُصنع في لبنان، هذه رغبة بوش ورايس وقرارهم، وهذه مصلحتهم، وبالتالي من أراد أن يحترم إرادة اللبنانيين عليه أن يلتزم بالدستور الذي يقول بالثلثين، وإلا يكون قد قام بدور الانقلابي على الصيغة اللبنانية واتفاق الطائف، من أجل تسهيل الامتيازات الاجنبية والالتزامات الامريكية، سنبقى في حزب الله وفي المعارضة حريصين أن تكون الانتخابات لبنانية محضة، وسنكون عائقاً أمام الانتخابات التي تتلقى التعليمات الامريكية .