الموقف السياسي

الموقف السياسي الذي أدلى به لإذاعة النور ضمن مقابلة "على بساط البحث" في 23/5/2008.

ما حصل في بيروت ليس خلافاً بين السنة والشيعة بل بين مشروعين

* عندما نطالب باستمرارية المقاومة لا نريد استمراريتها من أجل حصص في تركيبة الحكومة أو المجلس النيابي.

تحدث سماحته عن موضوع التحرير فقال:

أن التحرير له عدة معاني : أولاً التحرير هو أول عمل ليس فيه بدل في مواجهة إسرائيل.

ثانياً : أعطى مؤشر حول قدرة المقاومة على تحرير أرضها خلافاً لرؤية الأنظمة ورؤية أصحاب التنازلات المختلفة.

ثالثاً : أن إسرائيل لا تستطيع أن تقرر وأن تصنع ما تشاء بل هي في إطار التراجع والتنازل والخسارة المنهجية والمنظمة عندما تكون المقاومة حاضرة.

رابعاً: فتحت هذه المقاومة أفقاً كبيراً أمام وضع سدٍ كبير في مواجهة المشروع الإسرائيلي، وشكلت إعاقة له.

خامساً: استنهضت الوضع الفلسطيني مجدداً ، حيث انطلقت الانتفاضة الفلسطينية المسلحة بعد عدة أشهر من التحرير في أيار سنة 2000م.

لو جمعنا هذه العناوين الخمسة فقط لكفت لتقول: بأن إنجاز التحرير هو إنجاز تأسيسي للمزيد من الانتصارات، ولمزيد من إسقاط المشروع الإسرائيلي والأمريكي في المنطقة.

وأضاف:

لا يمكن فصل التحرير الذي حصل عام 2000 عن الانتصار الذي حصل في تموز عام 2006، وعندما قلت أن التحرير عام 2000 هو محطة تأسيسية ليس فقط لانتصار تموز وإنما أيضاً لانتفاضة فلسطين المسلحة، وأيضاً بداية لانهيار المشروع الإسرائيلي في المنطقة، ذلك أن هذا التحرير أبرز عدم قدرة إسرائيل على الاحتفاظ بأرضٍ محتلة، عندما تكون فيها مقاومة فاعلة، إضافة إلى ذلك هذه المقاومة الإسلامية الفاعلة استمرت في الاستعداد والتجهيز من أجل أن تنتقل من حالة التحرير إلى حالة الدفاع، أي أن التحرير أنجز إخراج الإسرائيلي والدفاع ينجز منع الإسرائيلي من العودة، أو تحقيق أهداف جديدة توسعية بالنسبة إليه، وهنا الإسرائيلي وقع في المشكلة، وهو إنما خرج تحت ضربات المقاومة ليستعد مجدداً من أجل إبطال مفعول هذه المقاومة، حتى إذا أراد في يوم من الأيام أن يعود لاستخدام الساحة اللبنانية كساحة سياسية أو ميدانية، سواء لأغراضه السياسية أو لتوطين الفلسطينيين يكون عندها قادراً على فرض شروطه مع عدم وجود المقاومة، وهو ظن أنه بانسحابه وهروبه أمام المقاومين سيُبطل الذرائع عن المقاومة عندها تتلاشى هذه المقاومة فتُمارس عليها ضغوط لإنهائها فيكون قد ارتاح بطريقة الانسحاب، لكن الذي حصل ان انسحابه لم يتلازم مع إيقاف المقاومة، إنما استمرت هذه المقاومة بالإعداد والاستعداد تحت عنوان تعزيز القدرة الدفاعية ، وبعد مرور ست سنوات وجد الإسرائيلي أنه أمام قوة متنامية على حدوده المحتلة، فقرر أن يواجه هذه القوة المتنامية لأنه إذا صبر أكثر سيكون نموها أكبر ، وعندها لن يكون قادراً على إسقاطها ، فَفَكَرت إسرائيل أن هذه اللحظة التاريخية وهذه الذريعة التي اسمها "أسر الجنديين" قد تكون مساعدة على تعديل موازين القوى وجاءت في لحظة تاريخية منسجمة مع مطلب أمريكي للعبور من بوابة لبنان إلى الشرق الأوسط الجديد ، فكان أن تلاقت المصلحة الإسرائيلية مع المصلحة الأمريكية في ضرب المقاومة وإنهاء وجودها فكان عدوان تموز ، هنا عدوان تموز هو من نتائج التحرير وليس معزولاً عنه، لأن التحرير أنجز تقوية للمقاومة وإضعافاً لإسرائيل.

وقال :

نحن أمام مشروع إسرائيلي خطر وأمام مشروع توسعي وعليه لا يجوز أن نتعامل مع هذا المشروع أنه انتهى، نعم سُددت له ضربات وضربات قاسية، ولكن علينا أن نواصل العمل والجهاد لأن المطلوب كثير والمؤامرة كبيرة جداً ، وبالتالي نحن نراها ونسمع عنها كل يوم ، ويأتي بوش لينذر باتجاه إسرائيل كل يوم، ونسمع الحشد الدولي الذي يؤيد حق إسرائيل في أن تكون معتدية غصباً عن العرب وموجودة في قلبها من دون أن يرف لهم أي جفن للأطفال والنساء والشيخ والآلام والمجازر، إذاً نحن أمام تحدٍ كبير جداً إذا لم نكن مؤهلين لنخوض مشروع المقاومة بكل أبعاده فهذا يعني أننا سنسقط لكن إذا استطعنا أن نتابع هذا المشروع هذا يعني أن النجاح الذي تحقق في أيار سنة 2000 وفي تموز 2006 يملك القابلية ليتحقق في أشهر أخرى وفي سنوات أخرى.

نحن نعتبر أن المشروع الإسرائيلي خطر، وربما يتساءل البعض لماذا تقولون دائماً أن المقاومة هي الأصل وهي الأساس ؟ ذلك لأننا نعتبر أننا إذا صدَّينا المشروع الإسرائيلي ومنعناه من التحقق استطعنا أن نحصل على استقلالنا وسيادتنا في لبنان وأن نبني بلدنا كما نريد مع من يتواجد في بلدنا من القوى المختلفة، لكن إذا سيطروا علينا من خلال المشروع الأمريكي ، أو بالواسطة من خلال المشروع الإسرائيلي فهذا يعني أنه لن يكون لنا قرار في لبنان وسنخسر بلدنا.

عندما نطالب باستمرارية المقاومة لا نريد استمراريها من أجل حصص في تركيبة الوزارة أو الحكومة أو المجلس النيابي، وقلنا هذا الأمر علناً، حتى عندما طالبنا بالمشاركة والثلث الضامن لم نكن ننظر إلى عدد الوزراء والصلاحيات التي يمتلكونها بخصوص وزاراتهم، وإنما كنا ننظر إلى القرار السياسي الذي يحمي البلد والذي يحتاج إلى قرار للثلثين، أي أن المطلوب هو أن تكون كل الأطراف الفاعلة في البلد مشاركة في أي قرار له علاقة بتغيير وجهة النظر في كيفية التعاطي مع المشروع الإسرائيلي أو مع المشاريع التي تُخطط للبنان، فالمقاومة بالنسبة إلينا هي مشروع دفاعي عن سيادة لبنان،

وعن الأحداث الأخيرة قال:

صحيح أن البعض حاول أن يعطيها أبعاداً مذهبية هذا جزء من التحريض وإعطاء الصورة غير واقعية، ليس هناك خلاف بين السنة والشيعة فيما حصل، لم نواجه من موقعنا الشيعي ، ولم يكن الذي نواجهه من موقعه السني، فكنا في المواجهة مقاومة فيها كل الأطياف، وفي المقابل كان هناك تيار سياسي ومعه جهات سياسية أخرى تواليه في الاتجاه، ولم يكن للعنوان المذهبي أي محل لا في خطابنا ، ولا في النتائج،

وفي وصفه لاتفاق الدوحة قال:

لا شك أن اتفاق الدوحة هو إنجاز مهم للبنانيين جميعاً، وهو محطة أساسية طوت هذه المرحلة الصعبة والمعقدة التي استمرت أكثر من سنة ونصف، وبالتالي اتفاق الدوحة هو اتفاق بين أطراف لم تكن تجد قواسم مشتركة كافية فوجدت أنه خلال أيام استطاعت أن تحقق هذه القواسم المشتركة التي كنا نتمنى أن نحققها قبل سنة لأن الأمور لم تتغير، والقواسم المشتركة فيما يتعلق بالاتفاق على قانون الانتخابات، وفيما يتعلق العمل لحكومة وحدة وطنية، وكذلك بانتخاب رئيس جمهورية توافقي هذه هي القواسم المشتركة.

وأضاف:

أن استمرار هذه الأزمة الداخلية ستولد مجموعة من المشكلات التي ستزيد من المآزق الداخلية، ولعلَّ القرارين الخطأين سببا مشكلة كبيرة كادت أن تودي بالبلد. على هذا الأساس أصبح واضحاً أن عدم الحل يعني وجود جمود سياسي قد يفاجئنا فيه أي حدث لا يكون لمصلحة لبنان ، فكان لا بد من الإسراع في إنجاز هذا الاتفاق الذي يقفل الاعتماد على المتغيرات المحتملة لمصلحة الوضوح في النقاط التي يمكن أن تكون مشتركة والتي يمكن أن نتفق عليها، مع بعض التنازلات التي لا بدَّ منها عادة لإنجاز مثل هذا الإنجاز.

وعن التدخل الأمريكي قال:

أمريكا ليست في وضع أن تنظم الوضع في المنطقة، أمريكا في وضع ضعيف تحاول أن تتجاوز مشاكل المنطقة بأقل قدر من الخسائر وبنوع من التجميد، وفي لبنان بذلوا كل ما يستطيعون من مجلس الأمن من الحرب الإسرائيلية على لبنان، إلى الضغط على فريق السلطة، إلى التحريض ، إلى التدخل في التفاصيل اليومية لحياتنا السياسية وفشلوا، عندما وصلنا إلى هذه المرحلة في اتفاق الدوحة كان الأمريكي أمام طريق مسدود ، لم يكن بإمكانه أن يشترط، ولم يكن بإمكانه أن يضع حدوداً ، نحن نعلم أن الأمريكي أعلن مراراً وتكراراً بأنه لا يقبل الثلث الضامن للمعارضة، وحصلت المعارضة الآن على الثلث الضامن وبموافقة الموالاة بصرف النظر عن التبرير الذي ستعطيه الموالاة، هذا يعني أن هناك تطورات جعلت الفريقين يتفقان على هذا الحل.

وعن تركيبة الحكومة وتوزيع الحقائب الوزارية قال:

نحن أمام مجموعة من الخطوات الإيجابية التي يفترض أن تفتح الآفاق لمعالجة أي ثغرة يمكن أن تواجهنا، الخطوة الإيجابية الأولى كانت اتفاق الدوحة، والخطوة الإيجابية الثانية رفع الاعتصام، والخطوة الإيجابية الثالثة والمرحب بها هي خطوة انتخاب رئيس الجمهورية التوافقي الذي سيساعد في أن يجعل عجلة التركيبة الدستورية وإدارة الوضع في البلد تسير باتجاه سد الفراغات التي حصلت، ووضع الأسس للمرحلة الجديدة، بعدها سيكون تشكيل الحكومة، بالتأكيد في تشكيل الحكومة هناك نقاش له علاقة بتوزيع الحقائب، ونقاش آخر له علاقة بالبيان الوزاري، من الطبيعي أن يحصل نقاش في هذه التفاصيل، أتوقع أن تجد هذه التفاصيل حلولاً لها، حتى ولو حصل بعض الخلاف أو بعض التجاذب بعض وجهات النظر، إذا تعاملت المعارضة والموالاة بطريقة إيجابية مع هذه النتائج الإيجابية التي بدأت باتفاق الدوحة باستطاعتنا أن نتجاوز هذه المرحلة وأنجد حلولاً، لا مشكلة في تشكيلة الوزارة إلاَّ ولها حل. وحتى على رئاسة الحكومة سيكون لها حل، ففي النهاية هناك خيارات لها وضع قانوني يجب أن نحترمه جميعاً حتى لو كان البعض تعجبه أو لا تعجبه بعض التفاصيل، وكذلك هناك توزيع لا بدَّ أن نراعي فيها توزيع الحقائب السيادية ومطالب الأطراف المختلفة بطريقة يأخذ هذا الفريق شيء والفريق الآخر يأخذ شيء آخر، أتصور أننا كمعارضة سنناقش الأمور بروحية إيجابية للمعالجة، أتمنى أن تكون هذه الصورة نفسها عند الموالاة.