ومما جاء فيها:
للأسف أن العديد من السياسيين في لبنان يتكلمون ولا يفقهون ما يقولون، وإذا تكلَّموا فراجعوا كلامتهم بعد صدورها وفوجئوا بالكثير من ألفاظها ومعانيها لأنها تُكتب لهم. هذا النمط يُتعب الوطن ويُتعب الناس، أتمنى لو يصل الجميع من دون استثناء إلى المستوى الذي نتخاطب فيه بالموقف والدليل والبرهان، والآن يوجد من يتحدث بهذا المنطق عند كل الأفرقاء، ولكن هناك هيمنة عامة لمحاولة إضاعة الحقيقة بطريقة أو بأخرى. أتمنى أن يملك البعض الجرأة ليقول الحقائق، نحن في حزب الله نقولها دائماً، ونعتبر أن واجبنا تجاه الناس أن نكون صريحين معهم، كما نعتبر أن تحليلنا يجب أن يأخذ بعين الاعتبار الوقائع والأدلة وليس صفصفة الكلام والاتهامات والتركيبات.
رأينا في الأيام الأخيرة زيارة وولش إلى لبنان، جاء متستِّراً بمناسبة ففضحته كلماته في التصريحات، أراد أن يدخل خفاءً إلى لبنان تحت عنوان المناسبة الخاصة فبرز بأنه الموجِّه الذي يحتاج لأن يكون أمام جماعته من أجل اطمئنانه بأنهم تلقُّوا ما تكلَّم به، وهناك أربعة أهداف أرادها وولش من خلال زيارته:
أولاً، إعطاء دفعة معنوية لجماعة السلطة التي برز عجزها المتكرر والمتراكم منذ 11/11/2006، فما وطأوا موطئاً أو مدخلاً أو موقفاً إلا وفشلوا فيه، فجاء ليعزِّيهم ويُعطيهم دفعاً معنوياً إضافياً بأن عليهم أن يصبروا، ثانياً وبشكل معلن ليقول بأن أمريكا لا تقبل أن يتحاور اللبنانيون، فهناك سقف مرسوم، إما أن يتمَّ الالتزام به وإما أن تقف أمريكا عائقاً أمامه، لاحظوا ما قاله عند اعتراضه على الحوار بأن الحوار لم يعد نافعاً، وأن المطلوب أن نأتي إلى القرارات وعندما اشترط الموافقة على المبادرة العربية بأنه يوافق عليها عندما تنحصر بانتخاب الرئيس، أي أنه يؤكد الأسقف الأمريكية التي يُمنع على الموالاة تجاوزها، ثالثاً أتى ليُبلِّغهم أن الفراغ والجمود هو سيد الموقف خلال الأشهر القادمة إن لم أقل لما يتجاوز السنة، وبالتالي عليهم أن ينتظروا تطورات محتملة في المنطقة، قد تحصل وقد لا تحصل، ولكن الأزمة اللبنانية في الثلاجة الأمريكية لأن أولوياتهم ليست في لبنان، رابعاً حمَّلهم مسؤولية الالتفاف حول الحكومة غير الدستورية وغير الشرعية، وأنها تتلقى الدعم الكامل من أمريكا، وبالتالي لا معنى لكل الاعتبارات الداخلية اللبنانية التي يتحدَّثون فيها عن شغور مركز الرئاسة أو عن تعطيل الحياة السياسية، فطالما أن حكومة السنيورة بخير من وجهة النظر الأمريكية فالبلد لا يهمُّهم، لا بطوائفه ولا بتوزيع مكاسبه ولا بحقوق الناس فيه، وإنما ما يعنيهم أن تكون مصلحة أمريكا محقَّقة.
من هنا نحن نقرأ زيارة وولش كزيارة تأكيدية للتدخل الأمريكي السافر والفاشل، ليس في لبنان فقط بل في كل قضايا المنطقة، لأننا اليوم إذا أردنا أن نرى إنجازات أمريكا في المنطقة فسنراها مصائب وكوارث وحروب وجراحات وشهداء وتراجع بشكل كبير، وهذا نذير شؤم كبير ابتُلينا به، ونسأل الله تعالى أن يخفِّف عنَّا من مضارِّه وأسبابه المعيقة لأنه واقع لا بدّ أن نتعاطى معه بصلابة وموقف حازم، ليعلم الأمريكي ومن معه بأن هذه التحرُّكات وهذه الضغوطات لن تنفع، لأن المعارضة التي صمدت وثبتت كل هذه الفترة مع أن الدنيا بأسرها تقف وراء المخالفة للدستور وأمام انتهاكات الواقع اللبناني، مع ذلك المعارضة بقيَت حامية للبنان، وسدًّا منيعاً أمام المشاريع الأمريكية والاسرائيلية ومن يتلطى بهذه المشاريع.
لا بدَّ أنكم لاحظتم معي إشارة وولش إلى انقسام المجتمع المسيحي، وهو لم يملك الجرأة ليتحدث مباشرة عن انزعاجه المتكرر من موقف العماد عون مع المعارضة، وهنا أريد أن أؤكد بأن التفاهم الذي حصل بين حزب الله والتيار الوطني الحر، هو الذي شكَّل دعامة قوية للبنان بأجنحته بدل أن يكون لبنان المنقاد لفئة تستزلم فئات أخرى، أو لجهة تحاول أن تستأثر بالقرار تحت عناوين مختلفة، هذا التفاهم هو تفاهم صلب وقوي، والهجمة التي يشنُّها من في الداخل والخارج على العماد عون اليوم إنما هي تستهدف إسقاط هذا الصمود وهذه المواقف الجريئة والوطنية، ولكننا نعلم أن العماد عون هو صخرة صامدة وجبل شامخ أمامهم، ولو لم يكن فاعلاً في حماية لبنان وسيادة لبنان لما كانت هذه الهجمة المنظَّمة عليه، ولكننا نقول لهم: هو قوي في مجتمعه وجماعته، وقوي في تفاهمه مع حزب الله موقعه في المعارضة، وهو قوي بقوة المقاومة وقوة المعارضة، إذاً هو قوي ذاتياً وقوي بالمتعاون معهم، ومهما فعلتم لن تهزوا موقفه إن شاء الله تعالى، لأنه صمد أمام الأعاصير الكبيرة وما تبقى رياح خفيفة تأتي بين الحين والآخر ولا تؤثر على هذا المسار.
نحن اليوم نرى أن أمريكا تسيطر بشكل كامل على قرار السلطة في لبنان، لم نعد نرى فرقاً بين المواقف الأمريكية ومواقف أركان السلطة والموالاة، راقبوا مفرداتهم ومفردات الإدارة الأمريكية، وراقبوا كلماتهم وكلمات الإدارة الأمريكية، وراقبوا مواقفهم ومواقف الإدارة الأمريكية، فعندما تقول أمريكا: نريد انتخاب رئيس فقط ولا نقبل بأي شيء آخر يقولون الكلام نفسه، وعندما تقول أمريكا: نفكر بإمكانية الانتخاب بالنصف زائداً واحد يكرِّرون نفس التعابير، وعندما ترفض أمريكا إعطاء الثلث الضامن يرفضون، وعندما ترفض أمريكا حكومة الوحدة الوطنية والمشاركة يرفضون، نحن لا نقول عنهم بأنهم أمريكيون كإدارة وأنهم أتباع أمريكا إلا لأنهم لم يقولوا موقفاً إلا بعد صدور التعليمات وهناك تماهي حتى في الألفاظ والتعابير. من هنا نعتبر أن افتخار البعض بعلاقته مع أمريكا هي محاولة لذر الرماد في العيون وبالتالي ربما لأن البعض تعوَّد على الفشل، فمن حقِّه أن يفتخر بزعامة الفاشلين لأنه بذلك يطمئن أنه في الركب مع هؤلاء الذين يدَّعون أنهم يحملون حرية الانسان في العالم وهم سبب الخراب والدمار.
نحن نسأل جماعة السلطة: ماذا أنجزتم على الأقل منذ سنة ونصف، على المستوى السياسية أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الأمني، كل التاريخ الذي يُسجَّل عليكم هو تاريخ فشل، ثم يقولون نحن لا نستطيع أن نحكم بهذا الواقع، إذاً لماذا تتمسَّكون بالكرسي؟ ولماذا تحافظون على حكومة غير شرعية؟ ولماذا تمنعون الرئيس التوافقي وفق سلة الاتفاق المتكامل؟ إذا كنتم عاجزين افسحوا المجال للتفاهم مع الآخرين، وإذا كنتم قادرين فأرونا ماذا أنجزتم؟ لكن أن تتنصَّل الحكومة غير الشرعية من المآسي الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية في لبنان فهذا أمر غير مقبول، كل ما يجري اليوم في لبنان يتحمَّلون مسؤوليته، لأنهم يتصدُّون ولأنهم يمنعون العلاقة مع الآخرين، وهنا حتى أُريحكم وأتكلم الكلام بوضوح واختصار، ما دامت أمريكا مهيمنة على فريق السلطة في لبنان وتمنعهم من أن يتفاهموا مع المعارضة فالأزمة طويلة جداً جداً. وهنا، قدَّمت المعارضة حلولاً مختلفة في أوقات متفاوتة، طالبت بحكومة وحدة وطنية عندما كانت رئاسة الجمهورية فاعلة وموجودة فرفضوا، ثم دخلنا إلى قواعد للحوار فلم يتابعوا، والآن يُطرح عليهم الحوار فيرفضون، وطالبنا بالسلة الكاملة من أجل إنجاز علاقة سليمة وطبيعية للمشاركة فرفضوا، وأنا أقول اليوم لفريق السلطة: قدموا أي اقتراح تريدونه يكون مبنيًّا على المشاركة ونحن نقبل به، لنُثبت لكم أننا إيجابيون، ولكنكم حتى الآن لم تقبلوا شيئاً ولم تقبلوا اقتراحاً، وما هذه النكتة التي يُطلقونها، يقولون بأنهم وافقوا معنا على رئيس توافقي، على من تضحكون ومن تستغبون، أنتم تريدون الرئيس التوافقي لا لأنكم تريدون تثبيت موقع الرئاسة والانتخاب وفق الدستور، بل لأنكم تريدون العبور من الرئيس إلى اختيار الحكومة الت يتريدونها فتكون لكم أغلبية الثلثين وزيادة، ثم بعد ذلك تضعون قانون للانتخابات في هذه الحكومة مفصَّل على قياس أفرادكم وجهاتكم لينجحوا في الانتخابات القادمة، ثم تأتون بقانون الانتخبات الهجين إلى المجلس النيابي ولكم الأغلبية النيابية، فيُقرَّر القانون الذي اخترتموه مع حكومة تسيطر فيها وزارة الداخلية التي ستكون بطريقة تراقب مسار الانتخبات لتطمئن إلى نتائجها فتحصلون مجدداً على مجلس نيابي كما تريدون، عندها تكون الرئاسة معكم والحكومة معكم والمجلس النيابي الجديد معكم وتحكمون تحت العنوان الدستوري والقانوني الذي يُعطيكم الحق، فتكون بذلك المعارضة قد أعطتكم رقبتها وسلَّمتكم البلد وأخرجتم المعارضة من كل المؤسسات الدستورية، وتحت عنوان قانوني وشرعي وبالتالي أنتم الآن عندما تخدعون الناس بأنكم تريدون انتخاب رئيس لا تقولون للناس بأنكم تريدون السيطرة على البلد بطريقة قانونية، وهنا أقول لكم: لن تسمح لكم المعارضة بالسيطرة القانونية، فإذا كنتم فاشلين في مرحلة سنة ونصف، فكيف سيكون الوضع ونحن نتفرَّج عليكم بعد ذلك في سنوات طوال يمكن أن تكون سنوات عجاف، فضلاً عن هذه الرقابة الأمريكية عليكم التي تصبّ في خدمة المشروع الاسرائيلي بكل إفرازاته، وبالتالي لن تأخذوا منا رئاسة دون توافق على المشاركة بالطريقة المناسبة التي تُنجز قانون انتخابات عادل، يوصل في نهاية المطاف إلى حكومة وطنية ويوصل إلى شرعية حقيقية وتمثيل حقيقي للناس، وإلا هذه المزرعة التي تريدون أخذها ليست موجودة في لبنان، فلبنان لنا جميعاً وإما أن نكون معاً وإما أن لا يكون لبنان بأيديكم، لستم مؤتمنين على لبنان حتى نُعطيكم إياه، ولذا نريد أن نكون معكم لنُعينكم ونُعين الناس على الحكم الصائب بدل أن تستفردوا وتكونوا مع أمريكا. هذه المسألة محسومة بالنسبة إلينا، وإذا ظننتم أن الضغوطات العربية والدولية يمكن أن تؤثر علينا فهذا أمر لم يعد وارداً.
أما بخصوص الخروقات الاسرائيلية التي تجري يومياً من خلال خروقات الطيران، وفي الأسابيع الأخيرة عدة مرات حصلت خروقات برية، ونحن لا نسمع مجلس الأمن أنه يجتمع ويتكلم ويعترض على إسرائيل، ألا تستحق هذه الخروقات المتكررة التي هي أعمال عدائية واضحة مكشوفة ليس فيها التباس، وليس فيها رأيان وإنما هو رأي واحد، هناك طلعات جوية يراها كل الناس ويتحدث عنها الجيش اللبناني واليونيفيل، فما هو موقف مجلس الأمن، لماذا لا يأخذ موقفاً حادًّا وحازماً ضد إسرائيل؟ وهنا أسأل جماعة السلطة في لبنان: لماذا تخلو بياناتكم من ذكر إسرائيل والاعتداء الذي تمارسه إسرائيل على لبنان، ألا ترَونها؟ تتحدثون لتوجِّهوا الانظار إلى مكان آخر، لكن لا تتحدثون عن اعتداءات اسرائيل، لو رفعنا الصوت جميعاً لأنجزنا أمراً ما. هنا أوكد أن هذه المقاومة الاسلامية الشريفة، التي واجهت في عدون تموز أعتى وأعدى جيش في المنطقة، واستطاعت مع شعبها وجيشها والمخلصين في لبنان أن تُنجز انتصاراً ساحقاً عظيماً له كل التسميات الشريفة، التي تبدأ من الارتباط بالله تعالى وتنتهي بالارتباط بالانسانية والشرف والكرامة والعزة. لولا المقاومة لكان لبنان اليوم محميَّة إسرائيلية، لولا المقاومة والمعارضة لذهبت سياسة لبنان إلى غير رجعة، لأن السيادة عند السياديين الجدد هي عمالة لأمريكا، وسماع لكلماتها ومواقفها، لولا المقاومة لأُربكت ساحتنا بالمزيد من الاحتلالات والتصفيات الجسدية، ولولا المقاومة لدخلت إسرائيل في ترجيح الخارطة السياسية بطريقة أو بأخرى تخالف تماماً ما عليه الناس وما عليه خيارات الناس.
آن لكم أن توقفوا أمريكا عند حدكم في لبنان، أمريكا لا تسأل عنكم فأولويتها في العراق وفلسطين، والأولوية أكثر في العراق، وكل الحركة التي ترونها على المستوى الأمريكي في المسألة الفلسطينية هي تعبير عن خطابات وكلمات أمريكية تتحمل كل التفاسير وكل المعاني ولا تُترجم مادياً على الأرض في مقابل دعم مُطلق لإسرائيلي مادياً وسياسياً وإعلامياً وبكل ما تحتاجه إسرائيل لتبقى قادرة على الاعتداء، واليوم بوش يتأمل أن يُنهي سنته باتفاق سلام في فلسطين، أقول لكم من الآن أنه لن يكون هناك هذا العام اتفاق سلام ولن يصلوا إلى نتيجة، بل سيكون هناك اتفاق كلام وبالتالي يخدم إسرائيل ولا يخدم القضية الفلسطينية والعربية، والأمور مقفلة بالطريقة التي تدير فيها أمريكا هذه الشؤون المختلفة.
يجب أن يعلم الجميع أننا كمقاومة بعد حرب تموز نختلف عما كنا عليه قبل حرب تموز، لقد رأت إسرائيل التجربة وهي تعلم تماماً أننا جاهزون وحاضرون، ونؤكد أننا في أفضل مستويات الجهوزية وهذا هو الذي يُسبب الردع لإسرائيل، واعلموا أن إسرائيل لا ترتدع إلا إذا كنا أقوياء وشرفاء وهذا متوفر في المقاومة والمعارضة.