ومما جاء فيها:
للمقاومة وظيفتان: التحرير والحماية، أما التحرير بإخراج المحتل من كل شبرٍ وحبة تراب من أرضنا، لا نتخلى عنها ولو كانت بحساب المساحات قليلة، ولكنها بحسابات الكرامة والوطن والمعنويات والإيمان كبيرة جداً، فإن العدو إن بقي في شبرْ من أرضنا فإننا نفسح له المجال ليأخذ أشباراً أخرى، نحن نريد أن نقطع دابره تماماً حتى لا يتجرأ في يوم من الأيام أن يحتل هذه الأرض.
لذلك عندما يقول البعض: تحرر الجنوب وبقيت مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، وهي مئات الأمتار القليلة التي لا تساوي شيئاً أمام ما حررتموه، نقول لهم: نحن لا نحسب التحرير بالأمتار، ولا بالكيلومترات، وإنما نحسب التحرير بالكرامة والانتصار وهذا لا يمكن أن يتحقق إلاَّ بالتحرير الكامل، فإذاً نحن مستمرون في عملنا ونهجنا المقاوم من أجل التحرير.
هنا بدأت الأسئلة تتقاطر علينا، هل يا ترى إذا خرجت إسرائيل من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، وتركت لكم الأرض بالكامل حتى حبة التراب الأخيرة في تراب وطنكم، هل تتوقفون عن المقاومة؟ وهل تسلمون سلاحكم؟ نقول: لا، لا نتوقف ولا نسلم سلاحنا، والسبب أننا لا زلنا في مكانٍ وفي منطقة تشكل فيها إسرائيل خطراً كبيراً علينا، فكما دخلت في بداية الأمر بلا رادع، فإن لم يكن الرادع موجوداً فستدخل مرة ثانية وتحتل مرة ثانية، فمن أجل حفظ التحرير لا بد من بقاء المقاومة لحماية التحرير وحماية الإنجاز، ومنع إسرائيل من الاعتداء علينا، لتعلم تماماً أنها إذا اعتدت ستلقى الجواب، وأقل الجواب ما حصل في 25 أيار هو جواب التحرير الكامل بلا قيدٍ ولا شرط بإذن الله تعالى.
من هنا نقول لهؤلاء الباحثين عن مخرجٍ لسلاح المقاومة، لا تتعبوا أنفسكم، سلاح المقاومة باقٍ ما دامت إسرائيل موجودة وتشكل خطراً علينا، بصرف النظر عن الرؤية الإستراتيجية في نظرتنا إلى ما يحيط بنا وإلى الموقع الإسرائيلي، لأننا نعتبر أن إسرائيل خطر حقيقي، وخطر يريد أن يبتلع المنطقة بأرضها وبشرها واقتصادها وثقافتها وإمكاناتها وهذا ما لا يمكن أن نقبل به. ولذلك المقاومة مستمرة، ولا معنى لمقاومة من دون سلاح. مع احترامنا للمقاومة المدنية، والمقاومة الثقافية، والمقاومة الإعلامية، فإنها توابع للمقاومة العسكرية، وما لم تكن المقاومة العسكرية موجودة ضد إسرائيل لا قيمة لأي مقاومة أخرى، وعندما تكون المقاومة العسكرية موجودة عندها كل مقاومة أخرى فخرٌ وعزٌ وتأثير كبير، لأن جميع أنواع المقاومات تستمد من المجاهدين ومن دمائهم فتقوى بقوتهم وتنتصر بانتصارهم، وتشكل مع المقاومة العسكرية الانتصار الحقيقي النهائي على إسرائيل.
سلاح المقاومة أنجز التحرير، وهذه هي الشهادة أمام العالم بأسره، لا تحتاج إلى توقيع وإلى مانحٍ، ولا تحتاج إلى من يبحث عنها، هي نورٌ مضيءٌ في كل العالم. أما سلاح الزواريب فهو سلاح فتنة وتخريب للبنان، نحن مع سلاح المقاومة ولسنا مع سلاح الزواريب، ونحن واضحون بأن البوصلة هي إسرائيل، وأن هذا السلاح في مواجهة إسرائيل، ولبنان يعلم تماماً أن مكانته ببركة هذه المقاومة وسلاحها، أما من يقول لنا استريحوا وانتهى دوركم، نقول لهم: من أنتم حتى توزعوا الأدوار؟ ومن كلفكم أن تعطونا الاستراحة؟ بل من قال لكم أننا تعبنا؟ نحن نتعب من وجود إسرائيل ولا نتعب من مقاومته حتى ولو ذهب آخر واحد منا وسقطت آخر قطرة دم، فإن الحياة والحيوية سيبقيان إن شاء الله لإسقاط المشروع الإسرائيلي.
وبكل وضوح في المنطقة اليوم مشروعان: مشروع مقاومة إسرائيل، ومشروع تثبيت وجود إسرائيل، وكل المشاريع الأخرى تدور حول هذين المشروعين. وبالتالي عندما نقول أن على الناس أن تختار وأن على القوى السياسية أن تختار فنحن نعرض الواقع ولا نريد أن نصنف أحداً، على الناس وعلى القوى أن تختار بين أن تكون في مشروع المقاومة أو في مشروع إسرائيل، فمن رفض مشروع إسرائيل لا بدَّ أن يتقاطع مع مشروع المقاومة، مشروع المقاومة يقتضي الثبات، مشروع المقاومة يقتضي بقاء السلاح واستمرار المواجهة مع إسرائيل حتى لا تتجرأ لغزونا والعدوان علينا، وأن نُبقي إسرائيل حذرة من أي حماقة عدوانية. من كان مع مشروع المقاومة يجب أن يقول أنه مع هذه العناوين. أما إذا خرج البعض وقال: لا لسلاح المقاومة وهو يريد أن يقول لا للمقاومة، إذاً ماذا نفعل بإسرائيل المتربصة والتي تريد أن تأكل لبنان؟ قد نلجأ إلى القوى الدولية لتحمينا! هل يمكن أن تحمينا هذه القوى الدولية؟ أمريكا تقول كل يوم: سنحفظ أمن إسرائيل وهم يقدمون الدعم المالي والاقتصادي والسياسي، ويقبلون معها أن تحتل الأراضي في القدس الشريف، وأن تبني المستوطنات وأن تقتل الفلسطينيين، وأمريكا تتفرج على النموذج الديمقراطي في إسرائيل! كيف يمكن أن نحتمي بهؤلاء الذين خنقوا فلسطين وهم يريدون إسرائيل ولو دمرت إسرائيل كل المنطقة العربية والإسلامية.
من هنا نقول لأولئك الذين يطالبون بإسقاط السلاح المقاوم، هم يطالبون بإسقاط المقاومة، يعني أنهم يقبلون بحرية حركة إسرائيل واحتلالها، يعني أنهم يضعون لبنان في فم التنين الإسرائيلي لتسقط كل الإنجازات التي حصلت حتى الآن ببركة المقاومة ودماء الشهداء، وهذا ما لا يمكن أن نقبل به.
لا أخفيكم أننا متفاجئون جداً بأن حزب المستقبل قد فقد صوابه بالكامل منذ أخرج من السلطة منذ حوالى سنة، نحن نفهم أن يعترض الإنسان على خروجه من السلطة، ونفهم أن يتألم لبعض الوقت وأن يعبر عن ألمه بطريقة حضارية، لكن لا نفهم كيف يمكن أن يكون الخروج من السلطة سبباً لتخريب لبنان على رؤوس الجميع من دون استثناء بمن فيهم هم، هل يستحق الخروج من السلطة كل هذا التخريب والضوضاء والشتائم؟ هل يستحق الخروج من السلطة كل هذه الفوضى وكل هذه النعرات والتحريض المذهبي والطائفي؟ إذا كنتم تقولون بأنكم مع صناديق الاقتراع فصناديق الاقتراع قالت كلمتها في سنة 2009، ووافقنا عليها ولكن انقلبت المعادلة بطريقة أو بأخرى، وصناديق الاقتراع نفسها هي التي أوصلتنا إلى حكومة لستم فيها، فعليكم كما احترمنا صناديق الاقتراع أن تحترموها، هي نفسها التي جاءت بكم ثم جاءت بمخالفيكم، ولكنكم لا تقبلون رأي الشعب، ولا تقبلون استفتاء المواطنين، هل يتم التعبير عن الرفض بهذا العمل، وبضرب الاستقرار، وبمخالفة بناء الدولة وحفظ مؤسساتها، للأسف أننا أمام واقع غير صحي وغير سليم.
في الأيام الماضية مرت أحداث أليمة في الشمال وبيروت ومناطق لبنانية عدة، كشفت حجم الأخطار التي تحيط بلبنان، نحن ندعو إلى أن تتم المعالجة بشكل جدي، وبالتالي التعاطي مع الأسباب لا مع النتائج، والأسباب هي من ضمن مسلمات يجب أن نلتزم بها من أجل أن ننقذ بلدنا، وهي عدة أمور:
أولا: يجب أن نقبل جميعاً بحق الاختلاف السياسي، والابتعاد عن التحريض المذهبي والطائفي والمناطقي، لمصلحة النقاش السياسي الموضوعي والبناء، وليعرض كل منا قناعاته أمام الناس، ولنترك الناس لخياراتها الحرة من دون ضغوطات، ومن دون عمل قسري.
ثانياً: يجب التوقف عن لغة الشتائم والأكاذيب، ليرى الناس حقائق الأمور ثم يحكموا عليها بعد أن يروها، بعيداً عن المزايدات، وبعيداً عن تشويه الحقائق.
ثالثاً: كل مناطق لبنان من وجهة نظرنا لها معيار واحد، ويجب أن تبسط الدولة سلطتها على كل مناطق لبنان، وتؤمن الاستقرار السياسي والاجتماعي والأمني لجميع المواطنين، فلا فرق بين مكان وآخر بسبب الانتماء المذهبي أو الطائفي أو المناطقي، فالدولة للجميع وعلينا أن نكون تحت هذا السقف، والجيش للجميع وهو ضمانة الأمن والسلم الأهلي.
رابعاً: إنما يكون بناء الدولة تحت سقف القانون، وخيارات الناس تقررها صناديق الاقتراع، ولبنان وطنٌ للجميع وليس مزرعة لأحد، فلا يحق لأي جماعة أن تدعي أنها حريصة على لبنان في مقابل الجماعات الأخرى، من كان حريصاً على لبنان يحميه ولا يخربه، ومن كان حريصاً على لبنان يمد اليد للآخر ليتعاون معه، ومن كان حريصاً على لبنان لا يدخل في لعبة الزواريب المسلحة، ومن كان حريصاً على لبنان لا يلعب بلغة التحريض التي لا تؤدي إلا إلى الخراب والدمار، من يريد مصلحة لبنان يعمل ليكون لبنان للجميع.
خامساً: علينا أن نكف عن زج لبنان في الأزمة السورية، وذلك بمواقف عملية، طبعاً من حق كل طرف أن يقول رأيه في الأزمة السورية على المستوى السياسي، يمكن أن يؤيد النظام والشعب الذي يؤيد النظام، ويمكن أن يؤيد المعارضة هذا حق كل إنسان أن يعبر عن موقفه السياسي، لكن أن يصبح لبنان معبراً من أجل التدخل في قضايا سوريا، وتغيير المعادلات في الداخل من البوابة اللبنانية، والمدد الدولي والتآمر الدولي الإقليمي، فهذا أمرٌ لا نقبل به، من المهم أن لا يكون لبنان معادياً سوريا، ولا مصلحة للتدخل في شؤونها، علينا أن نترك للشعب السوري وقياداته أن يرتبوا أوضاع بلدهم من دون تدخل أجنبي مبني على حسابات لا تخدم هذا الشعب، ولطالما حذرنا من استخدام لبنان معبراً أو مقراً ضد سوريا، فهذا مطلب أمريكي غربي لا ينفع سوريا ويخرب لبنان.
نحن ندعو إلى أن نلتفت أن واجبنا أن نحمي هذا البلد، لبنان فيه في كل بقعة عنوان من عناوين التضحية والعطاء من الجنوب إلى البقاع إلى الشمال إلى الجبل إلى بيروت، كلنا يعلم أن بيروت عاصمة المقاومة في المنطقة العربية بأسرها لما قدمته من شهداء وتضحيات، بيروت هذه لا تستحق أن تخرب، ولا تستحق أن يلعب البعض بأمنها، يجب أن تبقى بيروت العروبة، وبيروت الوطن، وبيروت المساهمة في نهضة فلسطين، وبيروت التي تعمل بشكل واضح لنصرة القضايا العادلة في لبنان وفي المنطقة، هكذا نراها وهكذا نتطلع إليها.