بحضور حشد من الفعاليات النقابية والعمالية، حيث كانت كلمة لمسؤول وحدة النقابات والعمال في حزب الله هاشم سلهب أكد فيها على أهمية العمل النقابي ودعا لتلبية مطالب العمال وحقوقهم، تلتها كلمة راعي الحفل، ومما جاء فيها:
للأسف أن تكون هناك عقلية في لبنان تعيش العصبية من الرأس إلى أخمص القدمين، حتى أننا كنا نسمع أحياناً أن تأخير إعدام شخص مدان ويستحق الإعدام هو من أجل إيجاد التوازن بين المسلمين والمسيحيين، وإلا سيختلُّ التوازن في البلد. نحن نعيش في لبنان عصبية مقيتة، هذه الطائفية التي يتغنى بها البعض وهو يقصد العصبية، انظروا إلى المنطق عند بعض السياسيين ورجال الدين وبعض الشخصيات في هذا البلد، لا ترى في منطقهم إلا العصبية والتعصب، تحت عنوان أن الواحد منهم مسؤول عن طائفته، مسؤول عن طائفتك لتُنصفها وتعدل معها، لا لتمشي مع فاسديها وتكون ستاراً لتغطية أعمالهم الشنيعة وانحرافاتهم ضد الوطن، أي دين هذا؟ عندما يخرج من فم البعض الكلام البذيء والمسيء والفاسد وهو يدعي أنه باسم الدين يتحدث، نحن نعرف أن توجيهات الدين أن نقول الكلمة الحسنة فإذا خرج من أحدهم كلمة سيئة فهذا منافٍ لتوجيهات الدين، يعني أن هذا كلام شيطان بلبوس الدين، فلا يستطيع الانسان أن يكون مؤمناً وصادقاً ومستقيماً إلا إذا أحب لأخيه ما يحب لنفسه، ويحب لأبناء وطنه ما يحب لنفسه، يريد أن يعمِّر البلد ولو كان على حساب تضحياته، يريد أن يتعاون مع الآخري من أجل التحرير والنمو والاقتصاد والواقع الاجتماعي.
مرضنا في لبنان من الطائفية والطائفيين، من الذي يتستَّرون بطوائفهم ليسودوا عليها ويملأوا جيوبهم ويحصلوا على مراكزهم ومناصبهم، اليوم البعض عدة العمل عنده هي الطائفية وأن يختبئ وراء طائفته ويلعنها ألف مرة عملياً وإن ادعى الدفاع عنها، يفضِّل مصلحته ومصلحة عائلته وحاشيته على حساب الوطن، وهذا نفسه عندما يرتقي المنبر يبدأ بتوزيع الحصص من الوطنية على الجميع، قل لنا ما هو أداؤك العملي؟ هل حررت الوطن؟ هل قدمت التضحيات؟ أم أنك تحزَّبت وتعصَّبت وتعاملت مع العدو، وخضت في تجارب تُبعدك تماماً عن أي مصلحة وطنية، لذا نحن ندعو للابتعاد عن الطائفية.
نحن اليوم في لبنان موجودون في محيط عربي يعيش قضية مقدسة هي القضية الفلسطينية التي تركت انعكاساتها وآثارها بشكل مباشر على وضعنا في لبنان وعلى كل المنطقة، لا نستطيع أن نُغفل أننا جزء من هذه المنطقة العربية، ولا نستطيع أن نُغفل بأننا نتأثر بما يحصل في داخل فلسطين، وأنا أقول لأولئك الذين يحاولون أن يتنصَّلوا من المسؤولية: بالله عليكم، هل تستطيعون العيش في لبنان بمعزل عما يحصل في فلسطين، مع وجود الكيان الاسرائيلي الذي غزا لبنان مرات ومرات، وهو يتهيأ دائماً لغزو لبنان من أجل مطامعه، كيف يمكن أن نغفل هذه القضية الفلسطينية التي تنعكس علينا بشكل مباشر، هذا ليس كرم أخلاق!! البعض يقول بأن لبنان قدم الكثير من أجل القضية الفلسطينية، اسمحوا لي: لبنان قدم من أجل أنفسنا وبلدنا قبل أن نقدِّم من أجل القضية الفلسطينية، نحن عندما ننتصر، ننتصر نحن وتستفيد القضية الفلسطينية، عندما نطرد اسرائيل نطردها نحن، لا نيابة عن أحد ثم يستفيد الفلسطينيون، من مصلحتنا أن نكون في الخندق الذي يمنع اسرائيل من أن تحتل وتقتل وتسوِّق لمشاريعها. لا يظنَّن أحد أنه ملك أكثر من الملوك بأننا نريد لبنان حيادي، حيادي من من؟ هل هم تاركيننا في لبنان؟ من يستطيع أن يقول لهذا العالم الذي يضع يده في لبنان أن اتركنا وشأننا؟ لن يكون هناك رد، سيدخلون بمختلف الوسائل. القضية الفلسطينية قضية مركزية وقضية تعنينا، وأكبر استغراب نعيشه اليوم أن اسرائيل تتحدث بكل صراحة بما تريد ثم نصرُّ أننا لا نسمع ما تقوله، هي تقول: لا للدولة الفلسطينية ونعم للمخيم الكبير، وتقول نعم للاستيطان لأخذ الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية واحتلال القدس الشرقية، وتقول لا عودة لأي فلسطيني إلى فلسطين، وتقول أن القدس لها بالكامل، ثم نسمع بعض العرب يدعون إلى تسوية شاملة عادلة برعاية أمريكية، الاسرائيلي لا يريد أكثر من أن يقول العرب أنهم يرضون بالراعي الأمريكي، لأن حاميها حراميها، أيها العرب ألا تسمعون ما تقول إسرائيل، وإذا كنتم تسمعون ألا تفهمون ما تقوله؟ كيف نواجه هذا الأمر، فيخرج أحدهم ويقول أنه لن يقبل التوطين، بكل صراحة أن من قال نعم للتسوية برعاية أمريكية يعني أنه موافق مسبقاً على التوطين وقابل بما تمليه عليه أمريكا، لأن التسوية تؤدي بشكل طبيعي إلى وجود إسرائيلي رسمي وإلى ضرب القضية الفلسطينية وتوطين الفلسطينين في المناطق التي يعيشون فيها ومنها لبنان. من أراد أن يرفض التوطين عليه أن يبدأ بالمقاومة، فالمقاومة يمكنها أن تُسقط المشروع الاسرائيلي، وإذا سقط هذا المشروع ومُنعت امتداداته يمكن أن لا يعود هناك توطين.
أما بشأن الحكومة اللبنانية التي شغلت الجميع ويبدو أنها ستشغلهم طويلاً، مرَّ البلد بتجربتين: تجربة حكومة الاستفزاز الوطني وتجربة حكومة الوحدة الوطنية، في تجربة الاستفزاز الوطني لم يبقَ مرفق إلا وتعطَّل ولم يبقَ استقرار إلا واختل على المستوى السياسي والأمني والاجتماعي والاقتصادي، وجاءت تجربة حكومة الوحدة الوطنية بعد اتفاق الدوحة وهي تجربة ناجحة لأنها أعادت الاستقرار إلى البلد، وجعلت البحث بالقضايا ذات الاهتمام الوطني، نقلتنا لانتخاب رئيس للبلاد واجراء الانتخابات النيابية وسير للمواقع الدستورية المختلفة، وبدأ النقاش ببعض القضايا التي تهم الناس، فهي على الأقل كانت ناجحة بقدر، ولأن هذه الحكومة كانت مؤقتة بتوقيت الانتخابات النيابية لم يكن لديها فرصة كافية لتعطي كل شيء، إذاً بين تجربة الاستفزاز الوطني وحكومة الوحدة الوطنية كان الأخيرة هي الأنجح. من هنا دعونا بعد الانتخابات النيابية إلى حكومة وحدة وطنية، قبل الانتخابات قلنا أنه سواء نجحنا أم لم ننجح نحن ندعو لحكومة وحدة وطنية والتزمنا بهذا الأمر، لأن لبنان لا يمكن أن يسير بدون توافق وتعاون الأطراف المختلفة، وحكومة الوحدة الوطنية ضرورية لأن الثقة معدومة بين المسؤولين في المواقع المختلفة، في حكومة الوحدة الوطنية هناك كبح لجماح أولئك الذين يريدون أخذ البلد حيثما يريدون، عندها يكون الجميع على طاولة واحدة، ويتفقون على ما يريدون، وحكومة الوحدة الوطنية تعني التوافق وتذليل العقبات بالحوار وبالتنازلات المتبادلة، وبالتالي كلما كان النقاش بعيداً عن الاعلام وفي الغرف المغلقة، يمكن أن يصل الحوار إلى نتيجة، أما عندما يخرج الحوار إلى مباراة سياسية على المنابر وشروط وشروط مضادة، فهذا يعني أنه لا توجد نوايا جدية لحكومة الوحدة الوطنية، وإلا كل الأمور تستطيعون الحديث عنها داخل الغرف المغلقة للمعالجة، خاصة أن التحديات أمام الجمهور تجعل الانسان أمام كلمته، وبالتالي تتعقد الأمور أكثر وتزداد العقبات، فنصبح أمام تذليل العقبات تمهيداً للنقاش بمضمون الحكومة الوطنية، يعني بدل أن يكون النقاش بحكومة الوحدة الوطنية، يكون النقاش عن تذليل العقبات والتحديات التي حصلت عبر وسائل الاعلام. حكومة الوحدة الوطنية تعني التفاهم، فكما حصل التفاهم على الصيغة، لا بد أن يحصل التفاهم على الأمور الاخرى بالطريقة نفسها، أي أن يوافق الأطراف لنسمي التفاهم تفاهماً، وإلا إذا سار البعض كما يريد وقال بأن هذا هو التفاهم، هذا غير صحيح، وبالتالي هذه الحكومة ليست حكومة وحدة وطنية، فهذه الحكومة لها مسار وخطوات ونتائج، لا تتحقق بفرض الأمر الواقع، سواء كان هذا الأمر مناورة أم حقيقة، حكومة الوحدة الوطنية حكومة المشاركة والاتفاق على التفاصيل قبل أن تخرج إلى الناس، وبغير ذلك لن نصل إلى حكومة الوحدة الوطنية بل تزداد العقبات. البلد يحتاج إلى خطوات تؤدي إلى حل وليس لاستعراضات سياسية، حرام أن يبقى البلد معلقاً. اليوم تجتمع النقابات والعمال والجميع حائر: من يطالب؟ وكيف نحل الوضع الاجتماعي والاقتصادي؟ آخر هم عند المسؤولين هو وضع الناس، ليس هناك حساب للوطن والمواطن، ولو كان هناك حساب للانسان كان يمكن تقديم التنازلات المختلفة وننتهي، ونبدأ بورشة العمل الاقتصادية والاجتماعية، والتي ترتبط بالماء والكهرباء والتعليم والطبابة والشؤون المختلفة، فالناس تحتاج من ساستها معالجة هذه الأمور.
نحن كحزب الله نؤكد مجدداً أننا ندعو إلى المشاركة الحقيقية لا إلى شكل المشاركة، وندعو إلى التوافق الوطني لا إلى رمي الكرة في ملعب الآخر كأسلوب من أساليب التحديات، ندعو إلى ضمانة الحد الأدنى لترميم الثقة بين الجهات المختلفة، ولوضع بقية بنود الطائف قيد التطبيق لنرى أين هي الاشكالات الباقية؟ على الأقل لننتهي من تطبيق الطائف، ونفهم ما له وما عليه، لنعالج مشكلة طائفية الوظيفة لمصلحة الكفاءة، ونعالج مشكلة طائفية التعيينات لمصلحة الجدارة والأهلية، عندها تكون الخدمة للوطن لا لتجمع الطوائف ولا للحسابات الرخيصة الضيِّقة، وعندها لا يكون الوطن مستأثراً من فئات دون أخرى، ويتعاون الجميع لازدهار البلد ورفعة البلد.