بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلاح على أشرف الخلق مولانا وحبيبنا وقائدنا أبي القاسم محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين وصحبها الأبرار المنتجبين وعلى جميع الأنبياء والصالحين إلى قيام يوم الدين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذه الذكرى السنوية الرابعة لآية الله الشيخ محمد تقي مصباح اليزدي تذكرنا بهذا الرجل العظيم الذي قدم خدمات جليلة للإسلام وهو الذي تميز بصفائه ونقائه وعشقه لله تعالى وسلامة اتجاهه وخطه وكيفية العمل التي خدم من خلاله الجمهورية الاسلامية الايرانية خلال كل الحقبة السابقة التي جعلتنا أمام مشروع حقيقي للاسلام المحمدي الأصيل.
اخترت أن اتحدث عن سماحة آية الله الشيخ اليزدي قدس الله روحه الشريفة عن ميزتين أساسيتين وجدتهما في اداءه وفكره وعمله:
الميزة الأولى أنه عمل على تأصيل الإسلام في كل حياتنا فتطرق إلى كل المجالات العقائدية والفلسفية والاجتماعية والثقافية والتربوية وهكذا رأينا أنه تعرض إلى مجالات عديدة يستهدف من خلالها تأصيل الإسلام فهو الذي عمل في مؤسسة طريق الحق، وأسس مؤسسة باقر العلوم، وفي المرحلة الأخيرة كانت لديه مؤسسة ضخمة هي مؤسسة الإمام الخميني(قده) للتعليم والبحث العلمي.
لفتنا كتابه "الزود عن حصون الإيديولوجية"، وهو دائما يذهب إلى الأصول وإلى المبادىء، وإلى القواعد الأساسية وإلى المباني، هو عضو في جامعة المدرسين في قم، هو عضو في المجلس الاعلى للثورة الإسلامية الثقافية، وكان مهتما بالتنسيق بين الحوزة والجامعة.
إذا ميزة أساسية انه كان يعمل دائما للتأصيل الإسلامي لأنه يعتبر أننا إذا انطلقنا من المبادىء الصحيحة بعيدا عن التشويش والإساءات والإضافات والتحريفات التي حصلت فإن بأمكاننا ان نقدم النموذج الأفضل: حلال محمد حلال إلى يوم القيامة وحرام محمد حرام الى يوم القيامة، هذه اهي القاعدة الأساسية.
الميزة الثانية هي اقتداؤه بالولي الفقيه الإمام الخامنئي دام ظله بعد الإمام الخميني قدس الله روحه الشريفة ولهذا الاقتداء معنى خاص عند سماحة آية الله الشيخ اليزدي زيعتبر أنه أساس من أسس تثبيت دعائم الإسلام في الجمهورية الاسلامية الإيرانية وتثبيت دعائم الإسلام على مستوى العالم.
أذكر لقاء حصل بيني وبينه عندما زرته في قم المقدسة في تشرين الثاني/ نوفمبر سنة 2018، راجعت محضر الجلسة من أجل أن أرى الكلمات التي قالها وقتها وكانت دقيقة فيما يتعلق بالولي الفقيه والارتباط به، قال بحرفيته وظيفتنا اليوم أن نشكر نعمة وجود الإمام القائد المعظم الخامنائي دام ظله، فإنه شخصية قلما تجد لها نظيرا في تاريخنا، وعلى الرغم من الامتيازات الكثيرة التي يمتاز بها هذه الإمام القائد من بعد علمي وسياسي وبصيرة اجتماعية ووعيا وفراسة إدارية وكثيرا من الخصال المميزة التي يعترف بها العدو قبل الصديق، لكني أن هناك جانبا عظيما في شخصية الإمام القائد الخامنائي لا يتم التعرض لها عادة، بل هي مغفول عنها وهي روح العبودية، فإنا هذا القائد قد تميز بالخضوع المطلق امام التكليف الألهي ولديه اعتماد كبير على المساعدة والمدد من الغيب الألهي وتظهر عليه آثار التوسلات.
هو يتحدث عن الإمام القائد الذي مزج بشكل عميق ومؤثر بين أصالة الإسلام في الآداء وبين روحية العبادة والتعلق بالله تعالى وبأئمة أهل البيت سلام الله عليهم وبهذه الروحية تكتمل الصورة في عرض الإسلام المحمدي الأصيل. اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا.
هذه هي الشيخ المميزة لآية الله الشيخ اليزدي قدس الله روحه الشريفة الذي استطاع أن يقدم من خلال مؤلفاته ومحاضراته وكتبة المختلفة ولقاءاته واجتماعته والمؤسسات التي عقدها والحلقات التلفزيونية، كلهذه الاعمال إنما تعبر عن هذه الشخصية الفريدة.
هنا أرتأيت أن استفيد من هاتين القاعدتين لأرعض عليكم ما الذي فعلناه كحزب الله في لبنان، حزب الله حزب عقائدي ارتبط بأصول وثوابت الإسلام والتزم الولاية كتطبيق عملي على مستوى القيادة والحياة. يعني هذا الربط موجود بين الإيمان بالإسلام والارتباط بالولاية على قاعدة أن الولاية الفقيه هو القائد في زمن الغيبة، وأن امكانية تطبيق الإسلام على مستوى الأمة لا يمكن أن يحصل بشكل صحيح وسليم من دون هذه القيادة.
نحن نعتبر ان الاعتقاد والإيمان بالإسلام لا تحده الجغرافيا، لأن الإسلام هو دين عالمي "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" والرسالات السماوية هي للبشر وبالتالي من يقول بأن هذا الاعتقاد يجب أن يكون محصورا في مكان دون مكان آخر فهذا خطأ كبير، الاعتقاد الإسلامي لا تحده الجغرافيا ، ولا تحده الاوطان، يعني إذا كان في مجموعة إسلامية في وطن ومجموعة إسلامية في وطن آخر، هذا لا يشكل عقية ولا مشكلة لأن الاعتقاد مسألة فكرية إيمانية ثقافية تعبدية هي ارتباط بالله تعالى على مستوى مسيرة الحياة بل بالعكس، الاوطان التي يدخلها الإسلام تستفيد من هذ االمنهج في مقابل المناهج الأخرى التي تعتبر ناقصة.
هنا السؤال المركزي الذي يطرح دائما، كيف يكون الإنسان مواطنا ووطنيا في وطنه وهو يعتقد باعتقاد يمتد على مستوى كل الجغرافيا في العالم، هذا أمر بسيط.
ما هو الوطن؟
الوطن هو عبارة عن مكان يجتمع فيه مجموعة من الناس، وهؤلاء قد يكون لهم عقائد مختلفة والالتزامات مختلفة لكن يتعاهدون فيما بينهم على أن يتعاونوا وأن يتبادلوا الخبرات والامكانات وأن يديروا شؤونهم وفق قوانين ودستور معين.
ما الذي تعارض في الوطنية مع الالتزام بالإسلام، ما الذي يتعارض بالاشتراك بين مفردات وجماعات الوطن مع بعضهم والإيمان الذي يمكن أن يتفاوت بين جماعة وأخرى.
هناك عقد اجتماعي هو الذي ينظم الأمور فيما بينهم ويتناغم المسلمون المؤمنون من خلال دينهم بهذه الرؤية.
الإسلام انفتح على المجتمعات الاخرى بشكل كبير جدا ولم يلزم أحد بقناعاته والتزاماته.. لا إكراه في الدين.
أمير المؤمنين علي عليه السلام عندما وجه عندما ومحمد أبن أبي بكر عندما ولاه مصر فقال له في العهد الشهير(قصدو عهد مال الأشتر) واشعر قلبك للرعية والمحبة واللطف بهم ولا تكونن عليهم سبعا ضاريا تغتنم أكلهم فإنهم صنفان: إما أخا لك في الدين وإما نظيرا لك في الخلق.
انطلق حزب الله كمقاومة إسلامية جهادية في مواجهة اسرائيل المحتلة لفلسطين وعدد من أراضي المنطقة ولها اطماع توسعية، نحن نعتبر أن يوجد تماهي حقيقي بين الجهاد من منظور إسلامي وبين تحرير الأرض من منظور وطني وقومي وموقفنا وموقعنا هو موقع التصدي للعدوان والمقاومة له.
لا يوجد تعارض بين روحيتنا الجهادية التي ننطلق من خلالها والروحية الوطنية التي ينطلق منها آخرون لتحرير الأرض، هذا يوجد تماهي فيما بينهما.
من الطبيعي لا بل الواجب ان يتعامل أبناء الخط الواحد على امتداد العالم الإسلامي لأنهم يحملون النظرة الإسلامية الواحدة والجهاد الواحد.
ومن الطبيعي أن يتعامل أبناء الجغرافيا الواحدة، يعني أبناء الوطن الواحد وطنيا من أجل التحرير، وهنا عندما يكون هناك امتداد في العقيدة ويكون هناك امتداد في الجغرافيا ويتعاون الطرفان فيما بينهما هذا ينتج قوة حقيقية في مواجهة العدوان من هنا نحن نعتبر ان التعاون الذي حصل مع إيران الإسلام من اجل مواجهة التحديات الموجودة في المنطقة وكذلك مساندة حزب الله لغزة ومساندة اليمن لغزة ومساندة العراق لغزة هذه الاعمال كلها إنما تأتي من ضمن رؤية واحدة لها علاقة بمواجهة العدو المشترك حتى ولو كان في جغرافيا محددة من وجهة نظر إيمانية واعتقادية، وكذلك على كل من هم في الجغرافيا المباشرة أن يتصدوا لهذا العدو.
في الحقيقة نحن اعتبرنا اننا مررنا بهذه المواجهة مع العدو الإسرائيلي بثلاث مراحل:
1ـ المرحلة الاولى مرحلة مساندة غزة وهذه المرحلة جزء من إيماننا واعتقادنا وجزء من وطنيتنا وجزء من ضرورة تعاون أصحاب الخط الواحد لمواجهة العدو المشترك الذي تدعمه أميركا الشيطان الأكبر بكل أمكاناتها من اجل ان يخرب المنطقة ومن أجل ان يسيطر عليها.
نحن علينا ان نسأل الامة ونسأل العالم لماذا لم يساند فلسطين وغزة في مواجهة العدو، ونحن نفضح هنا بهذه المساندة وبهذا العمل تكالب شياطين العالم مع الغاصب المحتل الكيان الإسرائيلي.
حقيقة حصل صمود أسطوري في مواجهة العدو الإسرائيلي في غزة ولبنان، والتعاون بين الأشقاء ساعد في دعم هذا الصمود الأسطوري، دماء الشهيد الحاج قاسم سليماني، والشهيد سيد شهداء الامة السيد حسن نصر الله رضوان الله تعالى عليه والسيد هاشم صفي الدين ويحيى السنوار والسيد اسماعيل هنية ودعم السيد الحوثي وأنصار الله وشهادة أبو مهدي المهندس ودعم الحشد الشعبي وكذلك المرجعيات الدينية في النجف الأشرف وقم المقدسة وأحرار العالم الذين قدموا بحسب قدراتهم وأمكاناتهم كل هذا التعاون جعلنا في موقع نستطيع فيه أن نفضح هذا العدو وأن نحقق إنجازا في استمرار اهذه المقاومة ووقوف هذه المقاومة صامدة من اجل المستقبل ومن أجل تحقيق الإنجازات.
2ـ هناك مرحلة ثانية مررنا بها في لبنان وهي مرحلة العدوان الإسرائيلي الغاشم والواسع والذي بدأ في 24 أيلول/ سبتمبر سنة 2024، وبدأ قبله بأيام بتفجيرات البايجر واللاسلكي ثم بعد يومين في 27 أيلول/ سبتمبر تم اغتيال سيد شهداء الامة سماحة السيد حسن نصر الله رضوان الله تعالى عليه، وكذلك شن الإسرائيلي حملة على قتل قيادات وضرب قدرات والاعتداء على المدنيين، وقتل الأطفال والنساء وتجريف البيوت والقيام بأعمال جبانة وعدوانية واسعة على مستوى كل لبنان، لقد دفعنا في هذه المرحلة تضحيات كبيرة وعلى رأسها
سيد شهداء الامة سماحة السيد حسن نصر الله رضوان الله تعالى عليه والسيد هاشم صفي الدين رضوان الله تعالى عليه والقادة الآخرين، لكن مقاومتنا صمدت ومقاومونا كأن قلوبهم زُبرَ الحديد أعاروا جماجمهم لله تعالى وشعبنا يحيط بهم ويقدم الغالي والنفيس، قال تعالى: " ثُمَّ نُنَجِّى رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ۚ كَذَٰلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنجِ ٱلْمُؤْمِنِينَ"، الحمد لله أن هذا الالتفاف الشعبي حول المقاومة كان مؤثرا وكذلك المواطنون في لبنان حول المقاومة وكانت الحكومة والجيش كلهم وهذا ما ساعد على تحقيق هذا الإنجاز بوقف إطلاق النار بـ 27 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024.
3ـ هنا بدأت مرحلة ثالثة سميتها مرحلة ما بعد اتفاق وقف العدوان الاسرائيلي على لبنان، في هذه المرحلة وصلنا إلى اتفاق يمنع العدو من استمرار عدوانه، ويلزمه بأن يخرج من الأراضي اللبنانية المحتلة، وبالتالي يلتزم حزب الله أيضا بوقف الدفاع وينسحب من جنوب نهر الليطاني كأسلحة ومقاومين نحن بدأنا بتنفيذ هذا الاتفاق والدولة اللبنانية هي التي عقدت هذا الاتفاق وهي مسؤولة بشكل علني ومباشر عن متابعته ومواكبته.
هذه المرحلة في الحقيقة هي مرحلة ثالثة وجديدة اسمها مرحلة ما بعد الاتفاق، والمسؤولية تقع على عاتق الدولة اللبنانية والدول الراعية ولجنة متابعة تنفيذ الاتفاق بطريقة سياسية حتى تخرج إسرائيل من لبنان، لكن اسرائيلي ترتكب الخروقات والاعتداءات المختلفة التي وصلت إلى مئات الاعتداءات جوا وبرا وبتجريف البيوت وبالدخول إلأى بعض المناطق التي لم تتمكن من أن تدخلها سابقا,
حزب الله قرر أن يعطي فرصة، وقرر أن تتحمل الدولة مسؤوليتها هذه مرحلة سياسية تصدت الدولة لها وهناك أصوات ونحن نوافق معهم أن تكون الدولة هي المسؤولة عن تطبيق هذا الاتفاق، لذا نحن نعتبر أن الاعتداء الذي يحصل اليوم هو اعتداء على الدولة يحصل على المجتمع الدولي يحصل على كل الذين رعوا هذا الاتفاق.
هذه مسؤوليتهم وهم عليهم أن يتحملوها بشكل مباشر، لعل البعض يقول وأنتم ماذا تفعلون.
نحن نصبر في هذه المرحلة ونعتبر ان المسؤولية على الدولة لا نريد أن نقوم بعمل يعيدنا إلى أن نتحمل مسؤولية مباشرة عن امرا يجب أن يتحمل مسؤوليته الجميع.
صحيح أن هناك الآن خدشة معنوية حقيقية بما تفعله إسرائيل لكن يجب ان تتظافر جهودنا وان يتم الضغط السياسي إلى مراتبه، وهذه فرصة على كل حال، لقد أثبتنا بالمقاومة أننا لم نمكن العدو من أن يتقدم في المنطقة الحدودية إلى الأمام وأيضا ستكون الآن فرصة للدولة اللبنانية لتثبت نفسها بالعمل السياسي.
المقاومة مستمرة، وقد استعادت عافيتها، ولديها من الإيمان المتجذر والثّلة المؤمنة الاستشهادية ما يمكّنها أن تتقدم وتتألق وتصبح أقوى في المستقبل إن شاء الله، والكيان الاسرائيلي الذي دمر الحجر والبشر وارتكب الإبادة في غزة انكشف أمام العالم والأمة بأنه كيان وحشي مجرم بدعم أميركي مجرم وهو عدو للإنسانية.
لا بد لنا أن نقيّم ما جرى من أحداث في هذه الحرب العدوانية وأن نستفيد من نتائجها وأن نطور اعمالنا بالدروس والعبر. رصيدنا في الداخل اللبناني كبير ومؤثر بحمد الله تعالى سنعمل مع شركائنا في الوطن لانتخاب رئيس للجمهورية وإعمار ما تهدم وإطلاق عجلة الدولة وفق قوانينها والبدء بورشة إصلاح وتعافي للاقتصاد والوقوف مع الناس في أوضاعهم الاجتماعية والصعبة.
رحم الله آية الله اليزدي على عطاءاته وتقديماته والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لمتابعة الكلمة فيديو الدخول الى الرابط التالي