مقالات

ولادة الإمام المهدي(عج)

ولد الإمام المهدي(عج) محمد بن الحسن العسكري في مدينة سامراء في دار أبيه، ليلة الجمعة في الخامس عشر من شهر شعبان من سنة 255هـ على أشهر الروايات.

مقالة افتتاحية مجلة بقية الله-العدد 188.

ولد الإمام المهدي(عج) محمد بن الحسن العسكري في مدينة سامراء في دار أبيه، ليلة الجمعة في الخامس عشر من شهر شعبان من سنة 255هـ على أشهر الروايات. أمُّه جاريةٌ اسمها نرجس، وهي ابنة قيصر الروم، كانت قد وقعت في أسر المسلمين، ويُروى أنَّ اسمها مليكة. ولدته عمته حكيمة، بطلب من والده الإمام العسكري(ع)، وقد استغربت ذلك ليلة استدعائها، لأنَّ الحملَ لم يكن ظاهراً وبارزاً على بطن أم المهدي(عج)، لكنَّ الإمام العسكري(ع) بيَّن لها أنَّ مثلها مثل أم موسى(ع) التي لم يظهر حملها، لحماية موسى(ع) من فرعون وجنوده، الذين كانوا يتعقبون كل امرأة حامل لقتل جنينها خوفاً من زوال ملك فرعون على يديه. وفي تعليلِ هذا الأمر، يقول الإمام الصادق(ع): "أمَّا مولد موسى(ع)، فإنَّ فرعون لمَّا وقف على أنَّ زوال ملكه على يده، أمر بإحضار الكهنة، فدلُّوه على نسبه، وأنَّه يكون من بني إسرائيل، ولم يزل يأمر أصحابه بشق بطون الحوامل من نساء بني إسرائيل، حتى قتل في طلبه نيفاً وعشرين ألف مولود، وتعذَّر عليه الوصول إلى قتل موسى(ع)، بحفظ الله تبارك وتعالى إياه. كذلك بنو أمية وبنو العباس، لمَّا وقفوا على أنَّ زوال ملكهم وملك الأمراء والجبابرة منهم على يد القائم منَّا، ناصبونا العداوة ، ووضعوا سيوفهم في قتل آل الرسول(ص)، وإبادة نسله، طمعاً منهم في الوصول إلى قتل القائم، ويأبى الله عزَّ وجل أن يكشف أمره لواحد من الظلمة، إلاَّ أن يتمَّ نوره ولو كره المشركون"(1).

شكك البعض في ولادة الإمام المهدي(عج)، ولعلَّ السرية التي أحاطت مولده من ناحية، ورغبة بعض الجهات إنكار ولادته لغايات عندهم من ناحية أخرى، كانت وراء هذا التشكيك، الذي أخبرنا عنه مُسبقاً رسول الله(ص). فعن الإمام الرضا(ع)، عن أبيه، عن آبائه، عن علي(ع)، عن الرسول(ص): "والذي بعثني بالحق بشيراً، ليغيبنَّ القائم من ولدي بعهدٍ معهود إليه مني، حتى يقول أكثر الناس: ما لله في آل محمد من حاجة، ويشك آخرون في ولادته، فمن أدرك زمانه، فليتمسَّك بدينه، ولا يجعل للشيطان إليه سبيلاً بشكه، فيزيله عن ملتي، ويخرجه عن ديني، فقد أخرج أبويكم من الجنة من قبل، وإنَّ الله عزَّ وجل جعل الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون"(2).

وعن زرارة، عن الإمام الصادق(ع):

"وهو الذي يُشك في ولادته، فمنهم من يقول: بات أبوه بلا خلف، ومنهم من يقول: حمل(أي مات أبوه وهو حمل)، ومنهم من يقول إنَّه ولد قبل موت أبيه بسنتين، وهو المنتظر، غير أنَّ الله عزَّ وجل يحب أن يمتحن الشيعة، فعند ذلك يرتاب المبطلون يا زرارة.

قال زرارة: قلت: جعلت فداك إنْ ادركتُ ذلك الزمان، أي شيء أعمل.

قال الإمام(ع): يا زرارة، إذا أدركت هذا الزمان، فادع بهذا الدعاء "اللهم عرِّفني نفسك، فإنَّك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف نبيك، اللهم عرِّفني رسولك، فإنَّك إن لم تعرفني رسولك لم أعرف حجَّتك، اللهم عرِّفني حجتك فإنَّك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني"(3).

وقد ورد تواتر خبر ولادته (عجل الله تعالى فرجه) في كتب السنة والشيعة، من عشرات المؤرخين، ومئات العلماء من مختلف الفرق الإسلامية(4).

حرص الإمام العسكري(ع) على إخبار جماعة من المؤمنين الخُلَّص بولادته، ليكونوا شهوداً على ذلك، وتمهيداً لإمامته عليهم، فقد كتب لأحمد بن إسحاق بذلك قائلاً: "وُلد لنا مولود، فليكن عندك مستوراً، وعن جميع الناس مكتوماً، فإنَّا لم نُظهر عليه إلاَّ الأقرب لقرابته، والولي لولايته، أحببنا إعلامك ليسرَّك الله به، مثل ما سرَّنا به، والسلام"(5).

كما نقل جعفر الفواري، عن جماعة من أربعين رجلاً حضروا مجلس الإمام العسكري(ع)، وقد عرَّفهم على الحجة(عج)، وأخبرهم بإمامته عليهم من بعده. فقد روي أنَّ عثمان بن سعيد بن عمرو العمري، قال للإمام العسكري(ع) في هذا المجلس:

يا ابن رسول الله، أريد أن أسألك عن أمرٍ أنت أعلم به مني.

فقال(ع): اجلس يا عثمان، فقام مغضباً ليخرج.

فقال(ع): لا يخرجن أحد. فلم يخرج منَّا أحد إلى أن كان بعد ساعة، فصاح (ع) بعثمان، فقام على قدميه، فقال: أخبركم بما جئتم.

قالوا: نعم، يا ابن رسول الله.

قال: جئتم تسألوني عن الحجة من بعدي؟

قالوا: نعم.

فإذا غلامٌ كأنَّه قطع قمر، أشبه الناس بأبي محمد، فقال(ع): هذا إمامكم من بعدي، وخليفتي عليكم، أطيعوه ولا تتفرقوا من بعدي فتهلكوا في أديانكم، ألا وانكم لا ترونه من بعد يومكم هذا حتى يتمَّ له عُمُر، فاقبلوا من عثمان ما يقوله، وانتهوا إلى أمره، واقبلوا قوله، فهو خليفة إمامكم، والأمر إليه"(6).

ونقل الشيخ الصدوق الخبر نفسه بصيغة قريبة، عن جعفر الفزاري، عن جماعة منهم محمد بن عثمان العمري، قالوا: عرض علينا أبو محمد الحسن بن علي(ع) ونحن في منزله، وكنَّا أربعين رجلاً، فقال:

"هذا إمامكم من بعدي، وخليفتي عليكم، أطيعوه ولا تتفرقوا من بعدي في أديانكم فتهلكوا، أما إنَّكم لا ترونه بعد يومكم هذا.

قالوا: فخرجنا من عنده، فما مضت إلاَّ أيامٌ قلائل حتى مضى أبو محمد(ع)"(7).

تدل الروايتان على وجود هدفين من لقاء الإمام العسكري(ع) بهذا العدد من مناصريه: الأول: إخبارهم عن إمامة المهدي(عج) من بعده. والثاني: تهيئتهم لغيبته لأنهم لن يتواصلوا معه كما كانوا مع الإمام العسكري(ع)، وقد اتضح من الرواية الثانية، تعريفهم على وكيل الحجة(عج) عثمان بن سعيد العمري، كصلة وصلٍ بين الحجة(عج) والمؤمنين.

أبلغ الإمام الحسن العسكري(ع) ولده بإمامته بعد موته، كما كان يُبلِّغ كل إمام مَنْ بعده، ويطلع المحيطين بالإمام والمؤمنين به على هذه الروايات الخاصة، فضلاً عن الروايات العامة المجملة عن الرسول(ص) والأئمة(عم)، التي تتحدث عن الأئمة بمجموعهم وبأسمائهم. روي عن الإمام الحسن العسكري(ع) وهو على فراش الموت، قوله لولده محمد بن الحسن(عج): "ابشر يا بني، فأنت صاحب الزمان، وأنت المهدي، وأنت حجة الله على أرضه، وأنت ولدي ووصيي، وأنا ولدتك، وأنت محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب(ع)، ولدك رسول الله(ص) ، وأنت خاتم الأئمة الطاهرين، صلى الله على أهل البيت، ربنا إنك حميد مجيد"(8).

الهوامش :

1- الشيخ الصدوق ، كمال الدين ، ص: 354.

2- المصدر نفسه، ص: 51.

3- الشيخ الكليني، الكافي، ج1، ص: 337.

4- المجمع العالمي لأهل البيت، اعلام الهداية، خاتم الأوصياء،ج14، ص:113.

5- الشيخ الصدوق، كمال الدين، ص:434.

6- الشيخ الطوسي، الغيبة، ص:357.

7- الشيخ الصدوق، كمال الدين، ص:435.

8- الشيخ الطوسي، الغيبة، ص: 272.