إن مضمون الكتاب الجديد، الصادر حديثاً لنائب الأمين العام لحزب الله العلامة الشيخ نعيم قاسم، بعنوان: "المهدي المخلّص (عج) (عن دار الهادي ـ بيروت)، يأخذنا إلى الرحاب الطاهرة، والأكناف الدافئة للإسلام الحقيقي المنشود، الحاضن الأمين للقلوب الخائفة، والأرواح والنفوس القلقة، والعقول الحائرة بإطلاق، لفقدان الأمن والأمان الوجوديين، فالحديث الذي يدور هنا حول التعريف بشخصية المهدي المخلّص (عج)، وعلامات ظهوره، والممهدين له، وعصر الظهور (آخر الزمان)، هو نفسه الحديث عن الدين الإسلامي برمته. ذلك أنه في هذا الكتاب، بتشابك وتشعب دلالاته، وتعدد أبعاده الإيمانيه الرفيعة والرصينة معاً، يرشدنا بوضوحٍ وأمانة إلى جوهر هذا الدين القيّم الذي أوجده الله تعالى لإخراج الناس من الظلمات إلى النور. غاية الهية مطلقة، هي عينها الغاية المتمثلة بالدور الأساسي لخاتم الأئمة الأطهار(ع) الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري (ع)، قائم آل بيت رسول الله، خاتم الأنبياء محمد (ص)، إنه المهدي المخلّص (عج) للبشرية كافة من الظلم الذي حاق بها من كل جانب مضيّقاً عليها الخناق حتى النفس الأخير.
فالله سبحانه ـ وهو الأدرى بعباده ـ قد أوكل هذا الإمام العظيم مهمّة فرض العدالة الكونية الشاملة التي وُجدت من أجلها هذه الحياة الدنيا أصلاً، ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما مُلئت ظلماً وجوراً.
فنحن أمام مسألة حيوية جامعة إذاً، يُوضح المؤلف أنها "وردت فيها روايات كثيرة، كانت واضحة وحاسمة لجهة وجود المهديّ المنتظر وظهوره في آخر الزمان، فهي تتحدث عن عصر الظهور والعلاقات التي تنبئ به، ودعت إلى الانتظار، وتهيئة الأجواء للمخلص القائد"، الذي يعطينا هذا الكتاب "صورة إجمالية عنه وعن عصر ظهوره، وما يستلزمه ذلك من مقدمات وتوقعات.."، ومن هذا المنطلق، فإن مسألة "المخلّص" يعالجها المؤلف هنا "من وجهة نظر الإسلام، لأنها تشكل النظرة الأشمل والأكمل والأكثر دقّة وواقعية من خلال الحديث عن الإمام المهدي (عج) بما يمثل من خلاص للبشرية جمعاء، وما حوته الآيات القرآنية الكريمة والروايات الشريفة من تفاصيل وتوسعة تضيء سبيلنا لنتلّمس خطوات الظهور بعلاماته وزمانه".
تُدخلنا الوقائع البيانية لـ"المهدي المخلص" إلى فضاءٍ معرفيّ مشبع بيقينيات متجذرة وقاطعة في المعتقد الديني الحامل لشواهد "مبرمة" في مضمونها ومراميها، تجعل المفهوم متيسراً لكل من يؤمن، إيماناً صحيحاً وصادقاً بـ"نظرية الانتظار" الواقعية، لا المتخيلة أو الظنيّة أو المتوهمة، التي لا تغني ولا تُسمن من جوع، إذ "يسربلنا" النص هنا بمحمولاته الدينية التاريخية في حدود المؤكد والثابت والمعقول والممكن، عبر سردٍ سلس مطعّم بأسانيد مقنعة، يقدمها منطوقه الذي يبعدنا كل البعد بإحالاته المرجعية (قرآناً وحديثاً شريفاً)، عن جموع التأويلات اللامنطقية تلك التي بإمكانها أن تشرّعنا على رياح الإحباط واليأس وعقم المسألة، مسألة وجود المهدي المخلّص حجة دامغة من حجج الله تعالى على خلقه أجمعين، "كي لا يبقى أي عذر لمعتذر"، فالحجة قائمة على البشر منذ آدم والى المهدي (عج)، إذ هي تحققت بالأنبياء والأئمة المعصومين، آل بيت رسول الله (ص)، لذا ينبّه الشيخ قاسم هنا الى أن على المؤمن أن يبحث عن إمام زمانه ليعرف طريق الخلاص الحقيقي، باستقامة مساره في هذه الدنيا، وإلا مات ميتةً جاهلية "لأن أي خيار لا يُوصل إلى المعصوم (المهديّ) هو خيار مناقض لخيار الإسلام"، ذلك أن المهدي "هو خلاصة الهداة" وهو التاسع من ولد الإمام الحسين(ع)، ولد وغاب عن الأنظار (مرتين: الأولى ومدتها 69 سنة، وسميت الغيبة الصغرى، ناب عنه سفراء أربعة بالتتابع كانوا صلة وصلٍ بينه وبين المؤمنين، والثانية أو الكبرى بدأت من سنة 329 هـ وهي التي نعيش أجواءها الحالية، والذي لم يتخذ فيها (ع) سفراء جدداً فـ"لله أمر هو بالغه..." كما أفاد سفيره الرابع وهو يجود بنفسه، وقد سمي المهديّ بالقائم وهو لا يزال حياً يرزق إلى يومنا هذا لأنه يقوم بالحق، والمنتظر، لأن الناس ينتظرون ظهوره بعد غيبته الطويلة عنهم.
ولد الإمام المهدي (عج) محمد بن الحسن العسكري في مدينة سامراء في دار أبيه ليلة الجمعة في الخامس من شهر شعبان من سنة 255 هـ، على أشهر الروايات، أمه جارية اسمها نرجس، وهي ابنة قيصر الروم كانت قد وقعت في أسر المسلمين، ويُروى أن اسمها مليكة، ولدته عمّته حكيمة بطلب من والده الإمام العسكري، وقد استغربت ذلك ليلة استدعائها، لأن الحمل لم يكن ظاهراً وبارزاً على بطن أم المهدي (ع) لكن الإمام العسكري(ع) بيّن لها أن مثلها مثل أم موسى(ع) التي لم يظهر حملها لحماية موسى من فرعون وجنوده، الذين كانوا يتعقبون كل امرأة حامل لقتل جنينها خوفاً من زوال ملك فرعون على يديه، كذلك بنو أمية وبنو العباس لما وقفوا على أن زوال ملك الأمراء والجبابرة منهم على يد القائم، ناصبوا آل الرسول (ص) العداء ووضعوا سيوفهم في قتلهم طمعاً منهم في الوصول إلى قتل القائم(عج)، لكن الله عزّ وجل يأبى أن يكشف أمره لواحدٍ من الظلمة، إلاّ أن يتم نوره ولو كره المشركون" على حدّ قول الإمام الصادق (ع)، ومن هنا كان حرص الإمام العسكري(ع)، على إخبار جماعة المؤمنين الخلّص بولادة المهدي (عج) ليكونوا شهوداً على ذلك، وتمهيداً لإمامته عليهم، وقد توفي الإمام العسكري (ع) سنة 260 هـ، حيث بلغ عمر الإمام المهدي خمس سنوات، وقد صلّى على جنازة أبيه حيث إن الإمام يصلي عليه الإمام الذي يليه، وقد حضر هذه الصلاة نحو أربعين رجلاً من المؤمنين، وإمامة المهدي (عج) في هذه السن المبكرة يعزوها الشيخ قاسم الى الإرادة الإلهية التي أعطت القدرة لإمامنا المهدي ليكون معصوماً وقادراً على تسلّم مهام الإمامة، لذا "فلا حاجة للإطناب في الاستدلالات العديدة في هذا الأمر، لأنه أمر تفصيلي مرتبط بالإيمان بما ورد عن النبي (ص) والأئمة(ع)، ما يجعلنا نؤمن ونسلّم بحقيقة إمامنا الثاني عشر، ولادةً وإمامةً وغيبةً وظهوراً بعد عمرٍ طويل".
هذا جزء من سيرة المخلّص المنتظر، كما وردت في متن هذا الكتاب الذي يبدأ بتمهيد نظري يعتمد على القرآن الكريم والسنّة الشريفة بتبيان ماهية المهدي (عج) الذي ننتظره، ثم يعرض لشخصيته وغيبته ودوره ناحياً الى تعليل الحكمة الإلهية من غيبته عنا وعمره المديد، ليتصل الحديث مبيناً كيفية التمهيد له وصفات الممهدين من المؤمنين الذي يعملون منتظرين لظهوره، والذين يكونون من جنده وأعوانه، ليصل الحديث الى تبيان وتحديد علامات الظهور، عرضاً وتحليلاً، ومن ثم اعتماد تبيان مدى تطبيق روايات الظهور على الواقع في تحليل للروايات من وجهة نظر دينية لا علاقة لها بالمواقف أو الأحداث السياسية، لأن الهدف من هذا الكتاب ـ كما يقول المؤلف ـ هو مناقشة وتحليل الروايات التي قد تنطبق على واقعنا المعاصر، وقد لا تنطبق كما هو ظاهر بوضوح من خلال الشرح والتعليل الوارد، الذي يليه عرض لصورة موجزة عن طبيعة دولة الإمام المهدي (عج) وما فيها من خيرات وعدل واستقرار، تليه الخاتمة المتضمنة للدعاء بتعجيل الفرج.