مقالات

الغَيبة والحيرة

بدأت غيبة الإمام المهدي(عج) الكبرى عام 329هـ بوفاة سفيره الرابع علي بن محمد السمري، حيث لم يعيِّن أحداً من بعده ليتواصل مع الناس، وينقل رسائلهم إلى الإمام وأجوبته عليها، وفي عقيدتنا أن المهدي(عج) إمام الزمان، الحي، المختفي عن الأنظار، الذي يظهر بعد انحرافات كبرى في حياة البشرية ليخلصها بدين الإسلام، حيث يقيم دولة الإسلام العالمية التي تنشر العدالة والاستقامة على امتداد الأرض.

بدأت غيبة الإمام المهدي(عج) الكبرى عام 329هـ بوفاة سفيره الرابع علي بن محمد السمري، حيث لم يعيِّن أحداً من بعده ليتواصل مع الناس، وينقل رسائلهم إلى الإمام وأجوبته عليها، وفي عقيدتنا أن المهدي(عج) إمام الزمان، الحي، المختفي عن الأنظار، الذي يظهر بعد انحرافات كبرى في حياة البشرية ليخلصها بدين الإسلام، حيث يقيم دولة الإسلام العالمية التي تنشر العدالة والاستقامة على امتداد الأرض.

باسمه تعالى‏

مقالة افتتاحية مجلة بقية الله-العدد 162/ آذار.‏

الغَيبة والحيرة‏

بدأت غيبة الإمام المهدي(عج) الكبرى عام 329هـ بوفاة سفيره الرابع علي بن محمد السمري، حيث لم يعيِّن أحداً من بعده ليتواصل مع الناس، وينقل رسائلهم إلى الإمام وأجوبته عليها، وفي عقيدتنا أن المهدي(عج) إمام الزمان، الحي، المختفي عن الأنظار، الذي يظهر بعد انحرافات كبرى في حياة البشرية ليخلصها بدين الإسلام، حيث يقيم دولة الإسلام العالمية التي تنشر العدالة والاستقامة على امتداد الأرض. لكن تُصاحب غيبتُه حَيرة، ففي الرواية عن أمير المؤمنين علي(ع):"المهدي الذي يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً، تكون له غيبة وحيرة، يضل فيها أقوام، ويهتدي فيها آخرون"1. هذه الحيرة بمثابة اختبار وابتلاء، كما هي الغيبة اختبار وابتلاء. ويخطئ من يعتقد أن الحيرة سببٌ للضلال، فهي تعبير عن الجهل بوقت الظهور من ناحية، وهي كأي شأن يُختبر فيه الإنسان الذي يكون بين تجاذبين: النفس الامارة بالسوء والصلاح، لذا ذكر الأمير(ع) في الرواية السابقة، بأنه" يضل فيها أقوام، ويهتدي فيها آخرون"، أي كأي ابتلاء واختبار، وينجح فيه البعض ويسقط فيه البعض الآخر. وقد كان هذا الاختبار موجوداً بحضور النبي محمد(ص) في حياة المسلمين، وحياة أحد عشر إماماً قبل المهدي(عج) بعد وفاة رسول الله(ص)، فآمن من قد آمن، وكفر من كفر، وانحرف عن الخط الإسلامي كثيرون. فالاختبار قائم في حياة الناس بأشكال مختلفة، وغيبة الإمام حالة من حالات الاختبار.‏

وقد ذكَّرنا الله تعالى في القرآن الكريم باختبار الأمم السابقة، الذي يتكرر مع كل أمة، ليتميَّز الخبيث من الطيب، والمؤمن من الكافر، والصادق من الكاذب، قال تعالى:" وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ "2، وعن أبي عبد الله(ع):"إنَّ هذا الأمر لا يأتيكم إلاَّ بعد إياس، ولا والله حتى تُميَّزوا، ولا والله حتى تُمحَّصوا، ولا والله حتى يشقى من يشقى ويسعد من يسعد"3، فالامتحان مستمر، وعلى المؤمن أن يصمد ويُثبت أهليته لولاء الإمام مهما كانت الصعوبات والابتلاءات، فالنعمة الكبرى تتمثل بوجود الإمام ولو كان غائباً، وكذلك بأن يوفقنا الله تعالى لنكون من جنده وأنصاره، ننتظر فرجه لنلتحق برايته، التي ترفرف أثناء غيابه بالاقتداء بنائب الحجة الولي الفقيه، وعند ظهوره من خلال قيادته المباشرة.‏

فالمؤمن ثابت على دينه، لا يتزلزل، ولا ينحرف، يأخذ المدد من إيمانه، ولا يعيش الحيرة، لأن الأمور واضحة أمامه، وبركات المهدي(عج) تشمله، فعن رسول الله(ص):‏

"القائم اسمه اسمي، وكنيته كنيتي محمد بن الحسن بن علي، ذاك الذي يفتح الله تبارك وتعالى على يديه مشارق الأرض ومغاربها، ذاك الذي يغيب عن أوليائه غيبة لا يثبت على القول بإمامته إلاَّ من امتحن الله قلبه للإيمان.‏

قال جابر: فقلت يا رسول الله فهل للناس الانتفاع به في غيبته؟‏

فقال: أي والذي بعثني بالنبوة، إنَّهم يستضيئون بنور ولايته في غيبته، كانتفاع الناس بالشمس وإن سترها سحاب"4.‏

يكفي المؤمن أن يتعلق بصاحب الأمر، وأن يكون مخلصاً في أدائه وولائه، وأن يجهد لنصرة دين الله تعالى، ويعمل لغلبة الحق على الباطل، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر... ليكون بذلك قد تجاوز المحن والفتن والابتلاء بالنجاح في اختياره. فمن ادَّعى انتظاراً من دون عمل، وأبدى استعداداً للتضحية أثناء ظهور الإمام، ضلَّ الطريق وابتعد عن الاستقامة، أمَّا من أخلص مؤمناً مسلِّماً لأمر الله تعالى في كل أحواله، عاملاً في غيبته بأوامر الشريعة، فقد فاز والتحق بركب الحجة(عج). قال أمير المؤمنين علي(ع) مخاطباً الحسين(ع):"التاسع من ولدك يا حسين هو القائم بالحق، المظهر للدين، والباسط للعدل.‏

قال الحسين(ع): يا أمير المؤمنين وإنَّ ذلك لكائن.‏

فقال(ع): أي والذي بعث محمد (ص) بالنبوة، واصطفاه على جميع البرية، ولكن بعد غيبة وحيرة، فلا يثبت فيها على دينه إلاَّ المخلصون المباشرون لروح اليقين، الذين أخذ الله عزَّ وجل ميثاقهم بولايتنا، وكتب في قلوبهم الإيمان، وأيَّدهم بروح منه"5.‏

إذاً لا حيرة للمؤمن، الذي اختار طريق الهداية،" وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ "6، والذي يهيء منتظراً بركات الأرض والسماء بظهور صاحب الأمر(عج). فعن رسول الله(ص):"المهدي من ولدي، تكون له غيبة وحيرة، تضل فيها أمم، يأتي بذخيرة الأنبياء(عم)، فيملأها عدلاً وقسطاً، كما ملئت جوراً وظلماً"7، فهنيئاً لمن أحسن الانتظار، وعاش الاطمئنان في خط الولاية.‏

نعيم قاسم‏

الهوامش:‏

1- الكوراني، الشيخ علي، معجم أحاديث الإمام المهدي(عج):ج3، ص 61.‏

2- سورة العنكبوت، الآية: 3.‏

3- الشيخ الكليني، الكافي: ج1، ص 370.‏

4- القندوزي، ينابيع المودة:ج3، ص 399.‏

5- الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة: ص 304.‏

6- سورة الأنعام، الآية: 153.‏

7- الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة: ص 287.‏