مقالات

الشيخ نعين قاسم: هي فلسطينُ وحدها، قوةٌ قاﺋﻤة بذاتها / المؤتمر الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني قرية الساحة التراثية – بيروت- لبنان بتاريخ 2015/12/9.

الشيخ نعين قاسم: هي فلسطينُ وحدها، قوةٌ قاﺋﻤة بذاتها / المؤتمر الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني قرية الساحة التراثية – بيروت- لبنان بتاريخ 2015/12/9.
هي فلسطينُ وحدها، قوةٌ قاﺋﻤة بذاتها

الكلمة التي ألقاها نائب الأمين العام لحزب الله سماحة الشيخ نعيم قاسم في الجلسة الختامية للمؤتمر الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني قرية الساحة التراثية – بيروت- لبنان بتاريخ 9/12/2015م.

" الحملة العالمية للعودة إلى فلسطين" 





لا بُدَّ من تحيةٍ معطرةٍ بالتضحية والجهاد لشباب وشابات الانتفاضة في فلسطين المحتلة؛ في القدس والضفة وغزة، وفي كل موقعٍ من مواقع فلسطين الحبيبة. لا بدّ من التحيّة لأولئك الذين رفعوا اسم العزة والأمة عاليًا؛ وجعلونا نعيش الفخرَ بوجودِ تلك التعبئة الصافية بالتحرير والاستقلال. كل التحية للملتقى الدولي الثالث للتضامن مع فلسطين؛ لإحيائه هذه القضية من زاوية هذا المؤﺗﻤر، ومن خلال " الحملة العالمية للعودة إلى فلسطين" ، وهذا أمرٌ مهمٌّ لتتضافر الجهود من أجل الوصول لتحريرفلسطين كل فلسطين، من البحر إلى النهر إن شاء الله تعالى.

أولًا:
إنّ هذه الانتفاضة الثالثة مؤشرٌ صريحٌ على أن المقاومة في فلسطين ليست حركةً عابرةً، وإنما هي ثابتةٌ ثباتَ الحقّ الفلسطينيّ، كما تأتي هذه الانتفاضة كمؤشرٍ على إعادةِ إنتاجِ فعاليات جديدة للجهاد والمقاومة مع هذا الجيل الصاعد، وهذا خلاف كل النظريات التي حاول الصهاينة- ومن معهم- أن يبثوها، بأن القضية يمكن أن تضمحل مع الزمن، وأن الشباب الجديد لا يمكن أن يحمل الهمّ القديم والحق الثابت. ولكنكم يا شباب الجهاد في فلسطين، أثبتّم مجددًا بأن فلسطين في القلب وفي الضمير، هي مع الأجنّة، ومع الشباب، ومع التربية، ومع كل صرخة أمٍّ وبنتٍ، ومع كل طلعةِ جهادٍ لمجاهد؛ حتى تتكامل قوات هذا الشعب الأبيّ لمواجهة إسرائيل وغطرستها.
وأنتم تعيدون للقضية الفلسطينية حيويّتها ومكانتها؛ فجيلُ الانتفاضة هو جيلُ تجديدِ المقاومة، جيلُ إبداعٍ وانتماء، ما يؤكد بأن المقاومة إرادةٌ وليست سلاحًا ولا دعماً دوليًا. المقاومة هي فعل إيمان، وإذا توفر هذا الإيمانُ كان جديرًا بأن ينتج مواقف وقدرات تؤثر في الواقع حتى تغير المعادلة، وتُطلَق المشاريع من إمكاناتٍ بسيطةٍ ومتواضعة. أنتم تلاحظون اليوم أن السّكين يفعلُ فعلَ الصاروخ، وأن الدّهس يؤدي وظيفة لم تتمكن أن تؤديها أعتى الأسلحة، ما يؤكّد أن المهم هو الإنسان الفلسطيني والمقاوم الفلسطيني والنبيل الفلسطيني، الذي يقفُ - مهما كان عمره، ومهما كانت صفته، ومهما كان مركزه- صلبًا شامخًا، ليؤدي واجب الجهاد ويحرّك واقع هذه الساحة. من هنا أقول: المستقبلُ رهانٌ مضمون لمصلحة المقاومة وليس لمصلحة الاحتلال، وإن طال الزمن. وحقُّ العودةِ جزءٌ من التحرير الذي سيتم إن شاء الله على أيدي شباب فلسطين وشعب فلسطين، فهم رأس الحربة ونحن الداعمون والمؤيدون، والفضلُ الأكبرُ يعودُ لهذا الشعب المجاهدِ الذي يواجه ببسالةٍ لا تعرف الكلل.

ثانيًا:
يجب أن ننتبه إلى معادلة يحاول أن يرسمها نتنياهو، فهو يقول بأن "المشكلة ليست في الاحتلال، وإنما هي في شروط التسوية"، وهذا الاتجاه يسلكه البعضُ سواء في فلسطين أو في البلدان العربية، وكذلك بعضُ من يتصدى للمناقشة مع الإسرائيليين أو للدخول في عملية التسوية. نحنُ ننبه بأن المشكلة هي في الاحتلال ويجب أن تبقى المشكلة في الاحتلال، ليست التسوية حلاًّ لتكون تفاصيلها حلاًّ، إنما المشكلة في الاحتلال، ليكون الحل بإزالة هذا الاحتلال كحلٍّ لقضية فلسطين. 
علينا أن لا ننظر إلى قوة المقاومة الآن ولا إلى اللحظة السياسية التي نعيشها الآن؛ بل علينا أن نحافظ عى المسارِ عندما نستثمرُ حركة المقاومة والتطورات غير المتوقعة، ونستفيدَ من التسديد الإلهي الذي يأتي في وقتٍ وظروفٍ لا نعلمها، الله يعلمها. حين ذاك نكون قد ركّزنا تصويبنا بدقّةٍ ناحية الهدف، ومن صوّب باتجاه هدفه بهذا التركيز، لا بُدّ أن يلتقط الفرصة في الوقت الذي تتُاحُ فيه، ويُحقّق الفوزَ والنجاح. لقد وعدنا الله بنصره وتأييده إذ قال: "ولقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ". 
هنا أتوجه إلى الإدارة السياسية وإلى القوى المسؤولة عن أداء المقاومة وإدارة المقاومة، وكذلك للمنظمات التي تعمل على مواجهة الاحتلال، أنها هي المسؤولة عن حفظ هذا الإنجاز واستثماره وتوجيهه ورعايته. حذارِ من احتواء الانتفاضة لمصلحة التسويّة، لأن الانتفاضة فعلٌ مقاوم لا يُمكنُ تأطيرهُ بهذا الشكل. اتركوها -بالحدّ الأدنى- لتستمر بإمكاناتها، ولا تتصدّوا لحرفها عن مسارها تحت عنوان خدمة فلسطين؛ لأن خدمةَ فلسطين تكمنُ في استمرار المقاومة والانتفاضة، وليس بأي سبيلٍ آخر. يجب أن تبقى شعلةُ المقاومة متّقدة، ولا تخشوا "الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانًا وقالوا حسبُنا الله ونعم الوكيل".

ثالثًا:
نحن نراهنُ بثقةٍ على مشروع المقاومة؛ كمشروعٍ يبدأ وينطلق من فلسطين ويمتدُّ إلى كل الواقع العربي والإسلامي والعالمي. كونوا مطمئنّين يا شعب فلسطين الأبيّ، بأن حزبَ الله معكم، وإيران معكم، ومحورَ المقاومةِ معكم، والشرفاء معكم، ومن كان يملكُ هذا الرصيد فلا بدَّ أن ينجح ولا بدّ أن يفلح. 
إنّ كل إنجازات محورِ المقاومة هي في خدمة الموقع الفلسطينيّ والمشروع الفلسطيني، ظهرَ هذا الأمرُ وسيظهرُ إن شاء الله؛ فكلما قرأتم أو رأيتم ربحًا في موقعٍ من مواقعِ مشروع المقاومة، فهو لفلسطين ولمصلحة فلسطين، وسنحرصُ على أن يكون كذلك. 
أنتم تعلمون بأن إيران كانت الثقل والمحور، وشكلت الانعطاف الحقيقيّ بعد الانتصار مباشرة في إقامة الدولة الإسامية في إيران )سنة ١٩٧٩ م(.
لقد حوّلت إيران مسار الهزيمة إلى مسار النصر والاستمرار، وحولت إيران مسار التنازل إلى مسار الوِقفة البطلة والشجاعة، وقدمت كلّ الدّعم السياسيّ والعسكريّ والاقتصاديّ والثقافيّ لمصلحة القضية الفلسطينية. وقد عاقبوها وتآمروا عليها بسبب مواقفها الشريفة والمحقّة، وهو ما يجعلنا ننظر بثقةٍ إلى كوننا مع مثل هذه الدولة وهذه الثورة المباركة، التي تعطي للموقف وللحق، ولا تعطي لاستثمار أو الابتزاز. 
يجب أن نطمئن بأننا مع المشروع الصحيح، وأطمئنكم بأن تطورات المنطقة هي في الاتجاه الإيجابي إن شاء الله، ولمصلحة محور المقاومة.

رابعًا:
الرعايةُ الأميركيّة الدوليّة لكل قضايانا- وعلى رأسها القضية الفلسطينية- هي رعاية مشبوهة ومنحازة ومتآمرة ومتماهية مع إسرائيل. 
هؤلاء الأمريكيون الذين يبررون للقتل ويرعون الحركات التكفيرية، ويعملون لدعم إسرائيل من أجل أن تضرب وتؤذي الشعب الفلسطينيّ، ويسكتونَ عن مستوطناتها واحتلالها، ويدعمونها بالمال والسلاح والإمكانات، هذه ليست رعاية! بل هذا تواطؤ وتآمر. 
وأيضًا نحن أمام إسرائيل المتعجرفة المعتدّة بقدرتها، والتي تعتقدُ أنَّ بإمكانها أن تحقق ما تريد، وقد انتهت هذه العجرفة ابتداءً من الانكسار الإسرائيلي المدوّي في سنة2006 على يد الشباب المجاهد في حزب الله، وكذلك كُسرت إرادة "إسرائيل "ثلاث مراتٍ على يد الشباب الفلسطينيّ المجاهد في قطاع غزة، وهذا يعني أنّ بإمكاننا أن نُراكِم كل تلك النتائج وأن نصل إلى الحلّ المنشود.
نحن نعتبر أنهم بثّوا في منطقتنا ما يصرفنا عن قضية فلسطين لكننا لن ننصرف، "داعش "و النصرة" و"القاعدة" يهدرون إمكانات الأمة في الفتن المتنقلة من بلد إلى آخر، وبالتخريب المتعمد لقوات وقدرات بلدان المسلمين والعرب، هذا يخدم المروع الإسرائيليّ. رأينا التكفيريين في كل المواقع لكننا لم نرهم في فلسطين، رأينا التكفيريين يقتلون المسلمين والمسيحيين والوثنيين وكل الانتماءات، لكنهم لم يقتلوا صهيونيًّا واحدًا، رأينا التكفيريين يعملون على إرباك واقعنا من أوله إلى آخره لكننا لم نرهم يرشقون "إسرائيل"ببحصة واحدة، هذا يعني أنهم جزءٌ أكيدٌ من ذاكَ المشروع. ولكن نقول لهم: إذا كنتم تظنون أنكم تصرفوننا بمواجهتكم عن أولويّة مواجهة إسرائيل في فلسطين فأنتم واهمون، ستبقى فلسطين هي الأولوية، وسيبقى تحريرُ القدس هو الأولوية، وسيبقى"إزالة إسرائيل من الوجود" الهدف الذي نسعى إليه. 
نحن نعتبر أن كل المصافحات والتخاذلِ العربي أمور هامشية لا تقدم ولا تؤخّر، لذلك تلاحظون أننا ما عدنا نتكلم عن مصافحةٍ ولقاء واتفاق وتطبيع، على قاعدة أن هذه الأعمال هي أعمال الأذلّة التي لا تقدم ولا تأخر، ونحنُ مقتنعون أنه ما دامت المقاومةُ متّقدْة، وما دام الشعب الفلسطينيّ في الميدان؛ فلا يُمكن لا للعرب ولا للمسلمين ولا لغيرهم أن يُغرّوا مسارَ القضية الفلسطينية ومشروع تحرير فلسطين.
نحن لا نراهن على الالتفاف العربي حول القضيّة (وإن كان من المصلحة أن نستثمر من العرب ما أمكننا ذلك(، لكن عليهم أن يعرفوا أن أولويتنا هي فلسطين، وفي فلسطين أولويتنا هي التحرير. 

هنا من المفيد أن نلفت نظر إخواننا وأحبتنا من القوى الفلسطينية والشعب الفلسطينيّ، أنهُ ليس مطلوبًا منكم أن تكونوا مع أحدٍ ولا ضدّ أحد، بل المطلوبُ من الجميع أن يكونوا معكم ليأخذوا الشرف من موقع فلسطين، لأنكم إذا كنتم مع الحق أو مع الباطل )على قاعدة أن الاختلاف هو بين حقٍّ وباطل( فلن تضيفوا إلَّا خسارةً لموقعكم ودوركم ولمصلحة فلسطين، ولكن إن تركتم الآخرين وبقيتم على قضيتكم ولم تتورطوا في تأييد الحق أو الباطل خارج فلسطين، عندها تبقى قضيتكم هي القضية المركزيّة، ويُحاكَم العالَمُ إذا كان مع فلسطين أم لا، فمن كان مع فلسطين فهو الشريف، ومن لم يكن معها فلا شرف له حتى ولو علّق اليافطات باسم الشرف!
ومن هنا أيضًا.. من أراد أن يُقدّم "جردَة حسابٍ" في كل العالم على أنه يعمل للحق، سنُطالبه أن يعطينا جردةً عما قدّمهُ لفلسطين؛ فمن قدم جردته عن فلسطين أخذ بمقدار جردته، ومن لم يكن له اسمٌ في العطاء لفلسطين فهو خارج الساحة وخارج الإنسانية وخارج أي عمل نبيل ومقاوم يُسجل في هذا العالم.
تحيّةً إلى شهداءِ وجَرحى وشعبِ الانتفاضة الفلسطينيّة الذين أحضروا فلسطين إلى الواجهة، ويجب أن تكون أصواتنا عالية إلى جانبهم، فكما أثّر الخنجر وكما أثرت السيارة؛ سيُؤثّر الصوت، والدليلُ على ذلك أنهم لم يتحملوا لا صوت المنار ولا صوت الميادين، اعلموا أنه مؤشّر بأن هذين الصوتين كالخنجر والصاروخ؛ لأنها صوتان يتحدثان باسم فلسطين. 
هي فلسطينُ وحدها، قوةٌ قاﺋﻤة بذاتها، من سار معها وحملها ودافع عنها امتلك القوة بعد توفيق الله تعالى.