قال الإمام زين العابدين(ع):
"وأمّا حق الكبير، فإنَّ حقه توقير سنِّه، وإجلال إسلامه إذا كان من أهل الفضل في الإسلام، بتقديمه فيه، وترك مقابلته عند الخصام، ولا تسبقه إلى طريق، ولا تؤمه في طريق، ولا تستجهله، وإن جهل عليك تحملتَ، وأكرمته بحق إسلامه مع سنِّه، فإنما حق السن بقدر الإسلام، ولا قوة إلا بالله".
الكبير هو الكبير في السن، فإذا كانت له سابقة في الإسلام،ازداد شأنه ومقامه. وقد قال رسول الله(ص) في خطبته التي ألقاها في آخر جمعة من شهر شعبان في استقبال شهر رمضان المبارك:"وقِّروا كباركم، وارحموا صغاركم"(75)، موجهاً الصائمين للسلوك الذي يجب أن يتصف به المؤمنون في التعامل مع الكبار بالتوقير، ومع الصغار بالرحمة. والتوقير بحسب ما ذُكر في مجمع البحرين(76) هو : التعظيم، ومنه"وقروا كباركم"، أي عظموهم، وارفعوا من شأنهم ومنزلتهم، والمراد بالكبار، ما يشمل السِّن والشأن كالمعلمين.
الكبير في السن صاحب تاريخ وتجربة، من حقه التوقير والاحترام لما أمضاه من عمره في هذه الحياة، فإذا كان من أهل الفضل والتقوى في الإسلام، استحق المزيد من التعظيم وإجلال قدره ومكانته، وتتم ترجمة الاحترام والتبجيل بالسلوك العملي وطريقة التصرف معه وفق التالي:
أ-تقديمه بسبب فضله، كأن تقدمه في صلاة الجماعة ليكون في الصفوف الأولى، وتقدمه على نفسك في إجلاسه في المكان المناسب الذي يتصدر المجلس، وتقدمه في الحديث إذا أراد أن يتكلم ويُبدي وجهة نظره.
ب-ترك مقابلته عند الخصام، فلا تواجهه عند الخصومة، ولا تحرجه أمام الآخرين باختلافك معه، ولا تجعل نفسك نداً له فقد تتسبب بسقوط هيبته وكسر معنوياته، وقد تُخرجه عن طوره وهدوئه فتكشفه أمام الآخرين، فالأفضل أن تتجنب مماحكته عند الخصام.
ج-لا تسبقه إلى طريق، احتراماً لسنِّه ومكانته، ولا تضع نفسك في موضع المنافسة معه، فإذا سبقك إلى المجلس أو الاحتفال أو المسجد فلا بأس بذلك، بل اسع كي لا تكون في سباق معه، فإنك ستقدمه على نفسك على كل حال.
د-ولا تؤمه في طريق، أي لا تسر أمامه بينما يسير خلفك، فاللائق أن تكون ورائه تأدباً معه، أو إلى جانبه مسايرة له، ورفقاً بحاله وتاريخه، وتعبيراً عن تقديرك له.
هـ-ولا تستجهله، أي لا تتعاطى معه كجاهل، حتى لو تفوقت عليه في العلم والعمل، فظروفه تختلف عن ظروفك، وهو برَكة المؤمنين وأُنسهم، وليس المجال لمقارنة نفسك وقدراتك مع كل أحد، وانظر إلى ما أفاده في تاريخه وما انجزه، فزمانه يختلف عن زمانك. إنك مدعوٌ لتتعامل معه ككبير من دون الدخول في تفاصيل تقييم قدراته، ولا تحدِّثه بما يوحي إليه أنك تستجهله.
و-وإن جهل عليك تحملت، فلو تبيَّن لك ضعف وعيه وعلمه وفهمه، واكتشفت ذلك من خلال حواره معك أو في محضرك، وفاجأك بمستواه، ثم تكلم بطريقة أحرجتك أو أزعجتك، فعليك أن تتحمل ذلك منه.
ز-وأكرمته بحق إسلامه مع سنِّه، وهذه مسؤوليتك أن تُشعره بالإكرام، بطريقة مخاطبته، أو ذكر محاسنه أمام الآخرين، أو أي تصرف يحمل عنوان التكريم وهو مجال واسع جداً.
كل ذلك بسبب سنِّه ودينه، وكلما زاد قدره وقيمته في الإسلام زاد حقه أكثر، فالكبير الذي أثَّر في الأجيال، وحافظ على نفسه ومحيطه من الفساد، بسبب جهاده وسلوكه، يستحق عرفاناً بالجميل لما أضافه من عمره في مسيرة الإسلام.