إلى أي حد يجوز للأب أن يضرب ابنه ؟ وهل يعتبر هذا التصرف شرعياً ؟
حدود الضرب مجهولة عند الكثيرين من الناس، وهي حدود شرعية تشمل الولد وغيره، فإذا تم تجاوزها ترتب إثم ودِيَّة على الفاعل، وهذا يؤكد أن الضرب ليس أصلاً في عملية التربية، بل يتم اللجوء إليه وبشروط مشددة، فلو تم الضرب على الوجه "واسْوَدَّ الوجه من غير جرح أو كسر فالدية ستة دنانير (8)، وإن اخْضَرَّ ولم يَسْوَدَّ ثلاثة دنانير، وإن احْمَرَّ دينار ونصف، وفي البدن الدية نصف ما كانت في الوجه "(9) " ولا فرق بين الرجل والأنثى والصغير والكبير ... ولا في بقاء الأثر وعدمه "(10).
أيها الأب أنت قوَّام على هذه الأسرة وأنت ولي هذا الولد ، تربيه وتشرف على شؤونه ، ولكنك لست مطلق الصلاحيات بل لك حدود وضوابط. من الذي يحمي هذا الولد؟ القانون الإلهي هو الذي يحميه. إذا قلنا أن الوالد حر مع ولده لأنه جزء منه ، فهذا يعني أن الضوابط الشرعية لا عمل لها، عندها يضربه أو يؤذيه أو يقتله على قاعدة أنه ابنه وهو حر فيه.
لكن مع الحقوق والواجبات الشرعية، يحق له أن يؤدبه ويوجهه ويعاقبه بالضرب، عندما يجد أنه شكل من أشكال العقوبة المطلوبة، دون أن يكون هناك اسوداد أو اخضرار أو احمرار، ومع التجاوز يستوجب الكفارة أو الدية، وأمور أخرى تستوجب الاستغفار. لذا علينا أن ننتبه ، ففي عالم التربية ليس مسموحاً أن نجرح مشاعر الولد دون مبالاة ، أو نحطم معنوياته دون اكتراث ، فالولد إنسان له حقوق كما عليه واجبات ، نحن مسؤولون أمام الله تعالى لنقوم بواجباتنا ولا نتجاوز حقوقنا.
إن الضوابط التي وضعها الإسلام لتربية الولد ليست للتقييد وإنما للتوجيه ، حتى يحسن الوالدان التربية وفق نموذج تربوي مناسب وفعال. إن الأمور تختلط وبشكل كبير عند الآباء والمربين، فإذا سألنا الأب لماذا ضربت الولد ضرباً لا يتحمله؟ لماذا تشفّيت منه أثناء ضربه؟ يقول لك:عصّبت وفقدت السيطرة لأني صدمت من تكرار فعله ،وما فعلته اليوم هو نتيجة تراكمات وليس لأجل هذه الحادثة ! أولاً: ليس سليماً أن تجمع أفعال ولدك لتعاقبه عليها دفعة واحدة، فمع التجزئة والمتابعة تكون الأمور أسهل . ثانياً: عندما تفقد السيطرة على أعصابك فلا مبرر لديك لعدم الالتزام بالضوابط ، فإنك مسؤول عما تفعل ، وعليك معالجة تصرفاتك وقت الشدة ، إنَّ المثل الشائع يقول " عد للعشرة قبل أن تقدم على العمل " فلا تباشر إلى التصرف بمجرد سماعك للشكوى أو الخطأ بل اصبر قليلاً، هذا المثل مستفاد مما ورد في الإسلام عن رسول الله (ص) :"لا تغضب، فإذا غضبت فاقعد وتفكر في قدرة الرب على العباد وحلمه عنهم "(11)، وهناك توجيهات تفصيلية عن الرسول (ص):"فأيما رجل غضب وهو قائم فليجلس فإنه سيذهب عنه رجز الشيطان، وإن كان جالساً فليقم.وأيما رجل غضب على ذي رحمه فليقم إليه، وليَدْنُ منه وليَمسَّه، فإن الرحم إذا مسَّتْ الرحم سَكَنَتْ"(12)، لأنك عندما تجلس تتغير حركتك، وهذا الجلوس يهدئ من الغضب، أو إذا كنت واقفاً فامش قليلاً، فهذا المشي يعطيك فرصة للتأمل قبل أن تأخذ القرار، وإذا مسست رحمك أي عانقته أو أحطته فإن الحالة العاطفية ستسيطر، وعندها يهدأ روعك وغضبك.
المطلوب أن نستخدم كل الأساليب التربوية وأن لا نركز على أسلوب الضرب، إذ يمكن حرمان الولد من شيء يحبه، أو إبراز الغضب أمامه، أو عدم التجاوب مع رغباته، كما توجد أساليب كثيرة فعَّالة ونافعة في هذا الإطار .