سبيل الله

المقاومة تجربة معاصرة

المقاومة تجربة معاصرة

يدور النقاش دائماً في لبنان وفي المنطقة حول المقاومة وأهميتها ودورها، وعجباً يُناقش هؤلاء، على قاعدة أن التجارب العملية عندما تعطي إثباتاً مادياً حسياً لا يعود هناك إمكانية للنقاش والتحليل، أثبتت المقاومة بالدليل العملي أنها حرَّرت الأرض، وأثبتت القرارات الدولية بأنها ثبتت الاحتلال، وأثبتت الدول الكبرى بأنها منحازة إلى إسرائيل ولا تريد إعادة فلسطين والقدس والأراضي المحتلة، وأثبتت الدول الغربية أنها لا تملك حس العدالة والإنسانية لأنها تقف إلى جانب المعتدي الظالم إسرائيل في مقابل الفتى والمرأة والشيخ الفلسطيني الذين يعذبون ويضيق عليهم ويقتلون في كل يوم، هذه الأدلة موجودة أمامنا، هل نحتاج إلى تحليل كبير عن أطروحة القرار 425، الذي تحول إلى نكتة إسرائيلية عندما كانوا يسخرون من لبنان عندما يتحدثون عن القرار 425، يقولون: أين هو؟ نريد أن نفتش عليه، وأن نتعرف عليه! .
علَّمهم المقاومون بأن التحرير لا يرتبط بالقرار 425، ولا بمجلس الأمن، إنما يرتبط بسواعد المجاهدين وعطاءات المجاهدات، وأنهم يستطيعون تغيير المعادلة. هكذا خرجت إسرائيل من لبنان سنة 2000 غصباً عنها، بعد 22 سنة من الاحتلال، تجر أذيال الخيبة وراءها، ومعها أمريكا ومجلس الأمن، يجرون أذيال الخيبة، لأن إسرائيل طُردت من دون أي شك، واستعدنا أرضنا بشرفٍ وكرامةٍ، من دون أن ندفع ثمناً سياسياً مقابلاً، لنثبت للعالم بأن المقاومة هي التي تحرر، وأنَّ القرارات الدولية أداةٌ استكبارية لقتل شعوبنا، وهذا ما أثبته القرار 425.
حصل التحرير في 25 أيار سنة 2000، وبدأنا إعداد العدة ابتداءً من 26 أيار سنة 2000، كان بعض الناس يقولون: انتهينا من إسرائيل. كنا نقول لهم: إسرائيل ستحاول مرة ثانية وثالثة ورابعة، يجب أن نستعد، لم يشعر الكثيرون باستعدادتنا، لكننا كنا نعمل ليل نهار، ونحن نتوقع في يوم من الأيام أن تعتدي إسرائيل، وقد استطاعت المقاومة الإسلامية خلال 6 سنوات أن تبني منظومة قتالية مترابطة، وأن يكون لديها التفاف شعبي حامٍ لها، ما مكَّن حزب الله في عدوان تموز سنة 2006 أن يقهر إسرائيل، وأن يذلها، وأن يحقق نصراً عظيماً في لبنان، لم يرَ العرب والمسلمون والكثيرون في العالم مثل هذا النصر بهذه الخصوصية، على الأقل خلال مئات السنين الأخيرة، لتثبت المقاومة مجدداً، أنها بالتوكل على الله أولاً، وبالإرادة الحرة ثانياً، قادرة على أن تصنع عزَّها، وأن تدافع عن أرضها وشعبها، وهكذا انتصرت المقاومة، وانتصر لبنان، وانهزمت إسرائيل ومعها المهزومون في منطقتنا، ليُسجل تاريخ جديد سطرته المقاومة الإسلامية وإن شاء الله يكون المسار الذي يحكم كل الفترة القادمة بإذن الله تعالى.
اليوم انتقلت المقاومة من الحلم إلى المسار، ومن الأمنية إلى الواقع، ومن الفكرة إلى المشروع، لم تعد المقاومة أغنية على المنابر بل أصبحت مساراً في حياة الجميع من دون استثناء، لم تعد المقاومة تأثيراً في أروقة الجامعات أو المؤسسات أو المنتديات بل أصبحت حياة يعيشها كل واحد منَّا، وبالتالي هذا الزمن هو زمن المقاومة، وهو عصر المقاومة، وسجلوها عليَّ: عصر المقاومة بدأ ولن نعود إلى الوراء، ولا إمكانية لأي عصرٍ آخر في مواجهة عصر المقاومة، سيبقى هو الأساس وسيؤثر على كل مجريات منطقتنا، ولا يستطيع أحد أن يُقفل الباب على المقاومة ليعيدنا إلى الاستسلام، فنحن في زمن العز والانتصار، وهذا سيستمر بإذن الله تعالى.
لا تستطيع إسرائيل إخفاء اعتداءاتها اليومية على لبنان، وكل العالم يعرف بأن إسرائيل تخترق الأجواء اللبنانية حوالى 20 مرة في اليوم، ماذا فعل العالم وماذا فعل مجلس الأمن؟ لا شيء ، لأنه متواطئ مع إسرائيل، وإلاَّ كان يجب أن يشنوا حرباً دولية على إسرائيل، أو أن يضيِّقوا عليها، أو أن يمارسوا عقوبات اقتصادية وسياسية عليها، ولكن ما نراه هو العمل لتطبيع علاقات إسرائيل مع العرب، وإعطاء إسرائيل الإمكانات الأمريكية، ومحاولة الساسة الأوروبيين أن يتقربوا من إسرائيل علَّها ترضى عنهم ليكون لهم دور، هذا الموقف يؤدي إلى المزيد من التأزم في منطقتنا. إن الاعتداءات التي تحصل اليوم في غزّة على الشعب الفلسطيني، على الطعام والشراب والكهرباء والدواء، هي جريمة موصوفة في القرن الواحد والعشرين، ويتحمل مسؤوليتها المجتمع الدولي بأسره، لأنه لا يفعل شيئاً من أجل هؤلاء المستضعفين. إذاً أمام هذه الاعتداءات كيف نتصور حلاً للقضية الفلسطينية؟ الدول الغربية وأمريكا يعطِّلون الحلول في منطقتنا، ويساهمون في وجود إسرائيل، ويتبنون الإرهاب الإسرائيلي في مقابل الحق الفلسطيني والعربي، وهم يشجعونها على العدوان، وهذا ما يجعلنا أمام معادلة وحيدة هي معادلة المقاومة.
ليس لدينا خيار آخر غير المقاومة، والمقاومة هي رد فعل على الاحتلال والعدوان والظلم، وقد أثبتت جدواها، ولا إمكانية لأي خطوة أخرى نلجأ إليها، هذه المقاومة ومن خلال التجربة اللبنانية كنموذج، هي ضرورة لعدة أسباب:
أولاً: المقاومة تعطي قوة للبنان وتمنع إضعافه، وأولئك الذين يتحدثون عن نزع السلاح يلطفون العبارة، لأنهم يخشون أن يقولوا: نريد إلغاء المقاومة! وإلاَّ ما المقاومة؟ فالمقاومة هي هذه القدرة العسكرية التي تواجه، هؤلاء الذين يريدون إلغاء المقاومة يريدون إضعاف لبنان لإعطاء إسرائيل مجالاً لتصنع ما تشاء، وبذلك يقدمون خدمة مجانية لإسرائيل.
ثانياً: هذه المقاومة تملك سلاحاً وقوة، وهذا السلاح وهذه القوة تتكامل مع الدولة اللبنانية، لأنَّ اتجاه سلاح المقاومة ضد إسرائيل، وهو جزء من وظيفة الدولة، ولا يأخذ مكانها على الإطلاق.
ثالثاً : هذه المقاومة مبنية على فكرة القوة والسيادة والتحرير، وهي ليست ردة فعل عشوائية، بل مشروع متكامل، وهنا أهميتها وفعاليتها.
رابعاً: عطَّلت المقاومة استخدام لبنان كساحة لإسرائيل، وإعاقت مشروع التوطين، ووضعت عقبات كبيرة أمام مشروع الشرق الأوسط الجديد بالمنظور الأمريكي الإسرائيلي.
خامساً:معادلة القوة صنعتها أيدي أبناء لبنان، وبالتالي كل المخططات الأجنبية ستنكشف عند مواجهة إرادة هذا الشعب الطيب الأبي.